19 عاما على عيد انقضى ولم يعد

2016-09-12 07:44:00

رام الله- رايــة:

فارس كعابنة-

يجمع يوم العيد بين الأقارب والاحبة، وحتى الأعداء، لكنه لم يكن كذلك بين منير قزاز وعائلته طيلة 19 عاما، في حكاية فراق وقف فيها حاجز اسرائيلي سدا منيعا تتحطم عليه أمنيات قزاز وتشعره بحسرة عظيمة.

كان اخر عيد لمنير قبل 19 عاما، انقضت كلها ولم يعد.

وحيدا هو الان، يقلب شاشة التلفاز تارة، وتارة اخرى يقرأ كتاب داخل شقته في البناية التي غادرها ساكنوها متجهين من رام الله الى اهاليهم في مدن الضفة، يقضي منير صباح العيد محتفظا بعالم اشواقه المعلّقة.

"ثقافتنا في غزة، ان نصحوا في الصباح ونجهز نفسنا ونبدأ بزيارة عائلات الاخوات والاخوة، ويستمر ذلك حتى اخر النهار... الان حتى الجيران لا اراهم" يتذكر قزاز.

كان قزاز قد خرج من قطاع غزة عام 1993 لإكمال دراساته العليا في بريطانيا وعاد بالدكتوراة عام 1997، ثم التحق بسلك التدريس في جامعة بيرزيت في ذات العام مودعا اهله في غزة على أمل اللقاء في زيارات متبادلة، لكنه عُلّق على هذا الامل سنينا طويلة، ولا يزال.

يقول قزاز الذي يشغل الان منصب عميد كلية التمريض بجامعة بيرزيت: "كان اهلي يقولون لي كلمة اتذكرها دوما.. (لو قبلت بعرض التدريس في الجامعة الكندية لاستطعنا زيارتك هناك بدلا من الضفة)".

ربما هي ضريبة ان يختار الفلسطيني وطنه. وعلى امل اللقاء، كبر قزاز وتغيرت ملامح وجهه من الشباب الى الشيب، ثم راهن على عمره علّه يساعده في اجتياز الحاجز الاسرائيلي بين الضفة والقطاع، كي يرقص في اعراس ابناء اشقائه، لكنه واجه احتلالا اتقن بسياسة التصاريح فن الرقص على وجع الفلسطينيين.

"عمري بات يلاحقني، لما كان 30 قرر الاسرائيليون ان التصريح لمن فوق 35، ولما وصلت الـ35 اصبح التصريح لمن هم فوق 40 ولما صار 40 اصبح لمن هم فوق 45 ولما صار 45 صار التصريح لمن هم فوق 50.. الان انا في الـ50 والتصريح لمن هم فوق 55" يقول قزاز مع ضحكة بدت مختلطة بحسرة وسخرية من كل ما يحصل معه.

ورفض الاحتلال ان يكون موعد لقاء قزاز مع اخوته الخمسة واخواته الست، ساعة فرح، فكانت اولى الزيارات عام 2003 ليوم واحد فقط. وصل منير غزة وشارك في عزاء والده ثم عاد، ولم يستطع حينها التعرف على ابناء اخوته واخواته، "كان الحزن يخيم على المكان".

ولم ير قزاز اهله طيلة 14 عاما بعد لقاء الحزن الاخير، وفي 31-8-2016 سمح الاحتلال لمنير دخول غزة ليوم واحد فقط ايضا، بصفته مستشارا لمنظمة دولية.

يتذكر منير يوم اللقاء جيدا: "لو كان هنالك كاميرا تصور.. تجمع الاهل لضيق الوقت في بيت واحد كي التقيهم جميعا دفعة واحدة.. كان لقاء مليئا بالدموع والاحساس بالالم".

ويكمل وصف مشاهد عالقة في ذهنه: "طلبت من ابناء اخوتي كلهم ان يعرف كل منهم عن نفسه قبل العناق.. كان لقاء جميلا جدا، لدرجة اننا لم ننم الليل ونحن نتحدث"، يصف قزاز الليلة التي مرت كلمح البصر ففي الصباح سيغادر غزة مجبرا.

يمكن للانسان ان يعيش الفرح بصمت بعيدا عن الاخر، لكنه يعجز عن كبت الالم المقترن بتفاصيل موجعة يبوح بها صاحبها كما يحدث مع قزاز الذي روى لنا تفاصيل كثيرة: "لن انسى لما أصيب اخي بالشلل بحادث سير ولم استطع زيارته، كنت اتمنى ان اكون بجانبه واساعده.. شعرت حينها بالعجز تماما".

ويضيف: يتصل اخي ويقول نريد تزويج ابني لبنت فلان، لكنني لا أعرف من هو فلان ولا ابنته.. امنيتي ان اصلهم وارقص لابن شقيقي ولعروسه".

"والان افكر، لما ازوج ابني هل هناك امكانية ان يأتي احد من اعمامه او اخواله لحضور عرسه في رام الله، لا اعتقد وهذا دائما يشعرني فعلا بحسرة كبيرة"، يقول منير من شقته برام الله ويشاطره شقيقه عادل الذي حدثنا عبر الهاتف ذات الأمنيات من غزة: "كلنا نجتمع وقت العيد ونعايد على اولاد بعضنا.. إلا منير".