"حرب المصطلحات" بِقيادة إسرائيليَّة وفلسطين الضحية
نابلس- رايــة:
فراس أبو عيشة- يُحاول الاحتلال الإسرائيلي وإعلامه بـِشتى الوسائل، وبـِسعيه الدؤوب والمتواصل، لاختيار واستخدام مصطلحات إعلامية تخدم المصلحة الإسرائيلية، وتُكرس من وجوده على الأرض الفلسطينية، وتُضفي نوعاً من الحرب والمنافسة الشرسة بينها وبين "عدوها الفلسطيني" على حد زعمها.
فَمنذ النشأة الإسرائيلية خاضت إسرائيل بإعلامها حرباً مع الإعلام الفلسطيني تحت عنوان "حرب المصطلحات"، واستطاعت من خلالها استخدام مصطلحات تصب في مصلحتها، وتبعها في الوقت نفسه، استخدام الإعلام الفلسطيني لتلك المصطلحات دون أن يُدرك المغزى الإسرائيلي منها، والغاية المُحققة والتي ستتحقق من وراءها، فكأن الإعلام الفلسطيني ينطبق عليه مثل "أنا وابن عمي على الغريب"، ولكن من هو الغريب المجهول؟.
هي ليست وليدة العصر
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن حرب المصطلحات التي تُمارسها إسرائيل ليست وليدة العصر والزمان هذا، فَمُنذ ما قبل قيام كيان الاحتلال، والحركة الصهيونية، وكانت الوكالة اليهودية قبلها تُحاول عبرنة وتهويد الأماكن و المُقدسات و الشوارع، وكذلك أسماء المدن والقرى و المناطق الأثرية، وازداد الأمر بعد عام 1948 في الداخل الفلسطيني، ثم أصبح أكثر تحيزاً بعد احتلال عام 1967 في الضفة الغربية عامة، وبِشكل خاص وكبير جداً في القدس.
ولهذه الحرب أكثر من سبب، أهمها: أن الكيان الصهيوني أُسس بلا تاريخ أو حضارة على أرض يمتلك شعبها الحضارة العظيمة، كَـأرض الديانات السماوية والتاريخ الحضاري العريق، لذلك فهم يحاولون طمس الحضارة والتاريخ، وإحلال تاريخهم المُزيف، إضافةً إلى محاولة تغيير الحقائق على الأرض، وكيِّ الوعي الفلسطيني وإخراجه من تاريخه بِاستبدال الأسماء حتى تُصبح لغة مُتبادلة حتى بين العرب.
ويُردف "هُم يعملون للأجيال القادمة وللعالم، حتى تصبح هذه المسميات عابرة للتاريخ، ومُزيفةً له، فَهم ببساطة يريدون تثبيت أنَّ هذه ارض الميعاد، وأَّنها كانت أرض بلا شعب، والآن تُرجع لأصحابها الأصليين بتزييف التاريخ والمسميات".
لا حرية في إعلام إسرائيل
ويُوضح المُدون والخبير في الشؤون الإسرائيلية الصحفي محمد أبو علان، أن الهدف من الترويج لأي مُصطلح هو محاولة لِخلق مساحة له في الفكر الإنساني، وترسيخ تفاصيله على أرض الواقع، ولذلك لن تجد في الإعلام الإسرائيلي كلمة ومُصطلح "فلسطين"، أو "الأراضي المحتلة"، أو حتى "حقوق الشعب الفلسطيني"، فهي تلجأ لاستخدام مصطلحات "يهودا والسامرة" عن الضفة الغربية، أو استخدام مصطلح "أراضي" أو "شتاحيم" بِاللغة العبرية.
وحسبما يُشير، فإنَّ هُنالك انعدام واضح للحرية في الإعلام الإسرائيلي، وخيرُ مثالٍ على ذلك: إغلاق صحيفة معاريف العبرية لمدة ثلاثة أيام، وذلك عندما كشفت قيام عناصر من جهاز الشاباك الإسرائيلي بِإعدام مختطفي حافلة 300 في قطاع غزة بعد اعتقالهم أحياء في مطلع الثمانينيات.
وليس ذلك وحسب، فَالرقابة العسكرية المُشددة على وسائل الإعلام تمنع الحرية الإعلامية الإسرائيلية، وخاصة إبان الحرب الثانية على لبنان عام 2006، ومنع النشر بِحُكمٍ قضائيّ في القضايا الأمنية، أو حتى الجنائية المتعلقة بِالمجتمع الإسرائيلي.
وتأكيداً على ما سبق، السياسي وناشط السلام الإسرائيلي، والمُصنف على حزب اليسار "أوري أفنيري"، شبه الإعلام الإسرائيلي بالإعلام النازيّ، قائلاً "مسؤول الإعلام في الحقبة النازية كان يجتمع مع رؤساء التحرير في الصحف، ويُحدد لهم ما يجب نشره في الغد، وما هي العناوين التي يجب أن تظهر في الصحف، وما هي فحوى المقالات التي يجب أن تُنشر، ومن يُطالع الصحف الرئيسة الإسرائيلية اليوم، يجدها بِنفس المنهجية في العمل، وكأن شخصاً واحداً قام بِإعداد كل هذه الصحف".
مصطلحاتٌ مُتداولة
ويُضيف "انطلاقاً من هذه المبادئ يُمكن فهم المصطلحات التي يسعى الإعلام لترويجها، وذلك من أجل تعزيز الرواية الإسرائيلية، وقلب الحقائق التاريخية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وفيما يلي بعض المصطلحات المهمة التي تستخدمها إسرائيل في إعلامها، والغاية منها كما يروي أبو علان:
"الجدار الأمني"
هو تعبير يُستخدم لتسمية جدار الضم والتوسع الذي أقامه في الضفة الغربية بعد الانتفاضة الفلسطينية، ويهدف لتكريس فكرة "الدفاع عن النفس"، وأنَّ الدوافع أمنية لا سياسية، وهذا حسب رؤية أبو علان هو مخالف للحقيقة، كونه يفرض حقائق على الأرض استباقاً لأي حل سياسيّ ممكن في المستقبل.
"الإرهاب الشعبي"
مصطلح يُطلق على المقاومة السلمية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي بِشكلٍ عام، وضد عمليات التوسع الاستيطاني، حتى باتت عملية زراعة الأشجار في الأرض الفلسطينية إرهاباً، وعملية استشهاد الوزير زياد أبو عين هي شاهد ودليل واضح على نتاج استخدام مثل هذا المصطلح في الإعلام الإسرائيلي.
انتفاضة فلسطينية ثالثة
هو ما يُروج له الإعلام الإسرائيلي منذ سنوات، ويربطه مع أي عملية لمقاومة الاحتلال مهما صغر حجمها، وهو مصطلح مستمد من تقديرات أمنية إسرائيلية لجهازي الاستخبارات العسكرية "أمان"، وجهاز الشاباك الإسرائيلي، مُبررةً لأيِّ عمليات قتلٍ أو اعتقال باعتبارها خطوات أمنية وقائية.
عن القدس
وللقدس جزء كبير من عملية محاولة تزوير هويتها الفلسطينية والإسلامية لِصالح الرواية الإسرائيلية المزورة، فَمصطلح "حائط المبكى أو الحائط الغربي" بدلاً من "حائط البراق"، ومصطلح "جبل الهيكل" بدلاً من مُسمى "المسجد الأقصى"، ومحاولة خلق تشويه وتشكيك بِقضية أن المسجد القبليّ، أو المعروف بِالأقصى.
أصواتٌ في الإعلام الإسرائيلي
أمام التحريض الذي يُشكل السمة العامة للإعلام الإسرائيلي، هناك أصوات مختلفة، فَالصحفية إميلي عمروسي، قالت في اجتماعٍ للصحفيين "بالنسبة لي، حياة طفلٍ يهودي واحد أهم من حياة مئات الفلسطينيين".
ورداً عليها، كتب الصحفي جدعون ليفي "في القدس كانت مذبحة، خمسة إسرائيليين قُتلوا، وفي قطاع غزة كانت حرب، وقُتل 2200 فلسطيني معظمهم من المدنيين، فالمذبحة تُثير الغضب، والحرب أقل، للمذبحة يوجد متهمين، وللحرب لا يوجد، فالقتل بِبلطةٍ صادم أكثر من القتل بِالبندقية، أو بالقصف للأبرياء".
وفي فترةٍ أُخرى، قال ليفي "كم من الإسرائيليين فكروا في عائلة الشهيد يوسف الشوامرة، ابن الأربعة عشر، الذي قُتل على يد جنود من الجيش الإسرائيلي في كمين، وهو في طريقه لقطف بعض النباتات البرية، لم نستكثر عليهم حتى الصدمة، فَالطفل خليل العناتي ابن العشر سنوات، لماذا لم يحظَ ولو بِالقليل من الاهتمام، لماذا من الصعب التضامن مع الأب المكلوم عبد الوهاب حمود الذي قُتل ابنه في سلواد، أو مع عائلة القطري من مخيم الأمعري الذين قُتل ابناؤهم على يد الجيش الإسرائيلي خلال شهر واحد، لماذا لم نعتبر مقتل هؤلاء أمر رهيب، ونُصدم فقط مما جرى في الكنيس اليهودي".