نقص الأئمة بين تصريحات الأوقاف وصمت المالية.. حقيقةٌ لم تكتمل جوانبها

2015-06-03 07:41:00

نابلس- رايــة:

فراس أبو عيشة:

مساجدٌ في الضفة الغربية عامة، وفي مدينة نابلس خاصة، تُعاني من نقصٍ للأئمة والخطباء، والمؤذنين والخدم، في حين يُطالب المواطنون والمصلون سد هذا النقص، ووزارة الأوقاف الفلسطينية تختبئ خلف حُجتين، أولهما تتعلق بِالعجز الماليّ للسلطة الوطنية، وثانيهما بِاعتمادات وزارة المالية، ولكن السؤال هُنا، أين هي الخطط والاستراتيجيات التي تتبعها الأوقاف لمحاولة علاج هذه القضية؟، وأين هي تبريرات المالية على وقف اعتماداتها تجاه الأوقاف؟.

نقصٌ متفقٌ عليه
عشرات المصلين في نابلس يشتكون من نقص أئمة ومؤذنين في بعض المساجد بِالمحافظة، وخلو بعضها في أوقات الصلاة من إمام أو مؤذن، مما يُسبب إرباكاً للمصلين، ويُخلُّ بإتمام شعائر الصلوات، مطالبين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بِتعيين عددٍ كافٍ من الأئمة لخدمة مساجد المحافظة.

ويرى المواطن أمين حلبوني أن هُنالك نقص واضح وجليّ، وعلى وزارة الأوقاف أن تُسارع في حل المشكلة من خلال توظيف خريجي الجامعات في المساجد، فالمسجد هو أساس التربية، ويجب الاهتمام به كي نبني مجتمعاً ناضجاً فكرياً، ودينياً، وعلمياً.

ومن ناحيته، يذكر الشيخ أحمد شرف أن لهذا النقص خطراً كبيراً، يتمثل بالاختلاف بين المصلين حول من يؤمهم، وعدم وجود مرجعية دينية لأي سؤال فقهي، أو توجيه ديني، واستغلال المساجد من قبل أي جهة، لِبث الأفكار التي لا تتلاءم مع الشرع الإسلامي.

"أم المساجد" وشُحٌ أوقافيّ
ففي محافظة نابلس التي يُطلق عليها "أم المساجد"، وحسب الإحصائيات فإنَّها تضم أكثر من 240 مسجداً في قلب المدينة، وفي قراها، ومخيماتها، ولكن ربع إلى أكثر من ثلث تلك المساجد تُعاني من نقصٍ لشواغرها الأساسية، ألا وهي الإمامة والخطابة، وذلك حسبما يؤكد العديد من الأئمة والخطباء، في حين من المُفترض أن تُضاهي أعداد تلك الشواغر أعداد مساجد المحافظة على أقل تقدير.

وبناءً على تأكيدات مديرية أوقاف- نابلس فإنَّه لا يوجد مساجد قطاع خاص في فلسطين قطعياً، وجميع المساجد تتبع لوزارة الأوقاف ومديرياتها، وتُشرف عليهم إدارياً ودينياً، من حيث فتحها وإغلاقها، وإنارتها وتنظيفها، وتعيين وتكليف الأئمة والخطباء للإمامة والخطابة والتدريس.

وبعض المساجد تُنشأ عن طريق لجان إعمار تُعتمد من وزارة الأوقاف، وذلك من خلال جمع التبرعات من المواطنين وأهل الخير، إضافةً إلى مساجد تُنشأ وتُبنى على نفقة فاعلي خير بشكلٍ كامل، وعند استكمال وانتهاء عمليات الإعمار والإنشاء، تُدرج تلك المساجد لدى الأوقاف، ويُفتح لكل مسجد ملف خاص، يحوي الأئمة والخطباء، وكل شخص تكون له وظيفة فيه.

نقصُ أئمةٍ وليس خلو
ويقول مدير الأوقاف والشؤون الدينية في مدينة نابلس الشيخ سليم الأشقر "بعض المساجد يوجد بها أئمة وخطباء، والبعض الآخر منها يُعاني من نقص وليس خلو، وفي هذه الحالة نُكلف أشخاصاً على الإمامة والخطابة مُقابل إكراميَّةٍ شهريَّةٍ، أكانوا حسب الاختصاص أم لا، ولكنهم شريطة أن ينقلوا الدعوة والرسالة الإسلامية بِحق، مع الأخذ بِكتب تعهد للقيام بِأعمالهم، والتزامهم بالتعليمات والتوجيهات كاملة، وبالتالي فلا يوجد مسجد متروك بلا إمام، أو بلا خطيب كما يدَّعي البعض".

وينفي الأشقر وجود إمام أو خطيب ممن يحملون الشهادات الثانوية إلا في حالات استثنائية، وهي لا تتجاوز أصابع اليد، مُبيناً إلى أن التوظيف في الأوقاف له شرط أساسيّ، ويتمثل بِأن يكون الشخص حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس) فما أعلى في الشريعة الإسلامية، وإن لم يتوفر به هذا الشرط فعليه أن يكون حافظاً لكتاب الله كاملاً، وأن يكون لديه الخبرة والقدرة الكافية في هذا المجال.

ولا يقتصر ذلك النقص على ما سبق فَحسب، بل يُطال إلى النقص في المؤذنين والخدم، ولكن الأمر هُنا يختلف، فَمن الممكن أن تجد منهم مَن هو حاصل على شهادة الثانوية، وآخرين لم تُتاح لهم الفرصة للحصول عليها، وحتى هؤلاء فهم يجتهدون في اختيارهم عندما تتوفر لديهم الاعتمادات المالية الكافية، وإذا توافرت بهم شروط معينة.

وعن سبب التشديد، يُوضح الاشقر "هو مبنيّ على كون الإمام قائد مجتمعيّ، وصاحب رسالة، وقدوة، فَعملهم كَعمل الرسل والأنبياء، كونهم يُبلغون وينقلون رسالة الإسلام السامية إلى رُبوع المسلمين والمسلمات، فهذا شرع ولا يمكن أن نكون عبثيين في التعامل معه، ولا يمكن أن نقبل ونُكلف شخصاً غير كفؤ بهذه المهمة".

ويتساءل "إذا كان ليس لدينا اعتمادات مالية لتوظيف مِمن يحملون الشهادات الجامعية والكفاءات، فكيف بنا أن نُوظف من يحمل شهادة الثانوية فقط؟"، مُتهماً كل من يقول أنَّ غالبية الأئمة والخطباء من الحاصلين على شهادة الثانوية فقط بأنَّ لديهم أجندات خاصة للتحريض، والإساءة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أو للسلطة الوطنية، لسببٍ أو آخر قد نجهله.

سنوات إمامة وشهر خطابة
وتعليقاً على قضية بقاء خطباء لفترات طويلة في مساجد معينة، يُشير الأشقر إلى أنَّ هذا الكلام ينطبق على الأئمة، فَمن غير المعقول أن يتم تغيير إمام الصلوات الخمسة كل شهر مثلاً، فهو قد يستمر للعمل في نفس المسجد لعام، أو أعوام عديدة، ولكن على العكس بالنسبة للخطباء، فَهم لديهم برنامج دوريّ شهريّ، يجتهدون من خلاله على أن يكون الخطيب متواجد في مسجد شهر كامل، مع مراعاة النقص في جزء من المساجد.

ويُردف "لذلك نُحاول تقسيم المحافظة إلى مناطق، فالخطباء الذين يسكنون في المنطقة الغربية مثلاً، يتم توزيعهم على مساجد المنطقة الغربية، مراعاةً وتخفيفاً لهم، ولكن لا يوجد خطباء يبقون في مساجدهم بشكلٍ دائم، باستثناء بعض المساجد التي قد تكون نائية، ولها خصوصية معينة، وعددها لا يتجاوز الثلاثة مساجد".

"الإكرامية" خطوة مؤقتة للحل
وحسبما يُنوه الأشقر فإنَّ أي مسجد لا يوجد به موظفٌ رسميّ في أحد شواغره فهو مسجد شاغر، حتى لو كان هُنالك موظفٌ بِإكرامية، فالإكرامية خطوة من خطوات الوزارة لِسد الثغرة قدر الإمكان، حتى الوصول والحصول على الاعتمادات المالية لتوظيف شخص بِوظيفةٍ كاملة.

ويُتابع "إننا في الاوقاف لا نترك أيَّ مسجد للصدفة، أو لِعابر طريق، لِيقوم بالإمامة أو الخطابة والدعوة، ولكن الشخص الذي يتبرع بذلك، فَليس لدينا إلزام له كَإلزامنا للموظفين الرسميين، بل نتعامل معه بِنوعٍ من الحرية، حتى وإن حصل طارئ نُحاول توفير البديل، ولا يخفى أنَّنا أحياناً لا نستطيع، وهُنالك من يتقدم عنه بِشكلٍ تطوعيّ لِوجه الله تعالى".

ويُعرب الأشقر عن أمله في أن يكون بِالمقدور التغلب عل نقص الأئمة والخطباء خلال فترةٍ وجيزة، وأن تتوافر الموازنة لدى السلطة الوطنية التي تُمكننا من حل الموضوع بِشكلٍ كُليّ.

المالية بلا رد أو مبرر
ولأنَّ مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في نابلس حمَّلت مسؤولية النقص للسلطة الوطنية ووزارة المالية، فَما كان بِالوسع سوى محاولة سد هذه الثغرة من خلال التواصل مع مديرية المالية في نابلس، والتي اكتفت بالقول "الموضوع لدى وزارة المالية في رام الله، وليس لدينا"، وعندما حاولنا التواصل مع الوزارة، كان عدم الحصول على رد، أو أي مُبرر لقضية النقص هو سيد الموقف.

لا إكرامية منذ بداية العام
ومن جانبٍ آخر، ورغم تأكيد وزارة الأوقاف ومديرياتها على صرف إكرامية ومكافأة لِمن يتولى ويتطوع في مجال الإمامة والخطابة، إلا أن أحد الخطباء يقول "منذ بداية العام الحالي لم تُصرف إكرامية ومكافأة الخطابة لنا، ونسمع من الأوقاف أقوالاً ووعوداً بلا أفعال، وحتى الآن مواعيد الصرف غير معروفة لدينا".