قراصنة الظلّ… حلاوة اللسان حين تُخفي سواد القلب...
في العتمة التي تسبق السقوط، يقف القراصنة الإلكترونيون بوجوهٍ مصقولة بالكلمات، وألسنةٍ معسولة تُتقن فنّ الخداع، وقلوبٍ معتمة لا تعرف للرحمة طريقاً. يظهرون في ثوب المنقذين، ويتقدّمون بخطابٍ ناعم يوهم الضحية بالأمان، فيما هم في الحقيقة صيّادو فرص، لا يبحثون إلا عن المعلومة؛ لأنها المفتاح، والسلاح، وبداية الجريمة ونهايتها.
هؤلاء القراصنة لا يسرقون دفعةً واحدة، بل يُشيّدون جريمتهم على مراحل؛ جريمة مركّبة، متراكمة، متسلسلة، تبدأ بجمع البيانات، ثم تتدرّج إلى السيطرة، فتنتهي بالابتزاز. المعلومة عندهم ليست تفصيلاً عابراً ، بل أداة قهر، بها يُكممون الأفواه، ويكسرون الإرادات، ويحوّلون الخوف إلى موردٍ دائمٍ للمال. وما إن يقع الضحية في شَرَكهم، حتى يدخل دائرة جريمة مستمرة، لا تنتهي بدفعةٍ مالية ولا باعتذارٍ ولا برجاء.
والمؤلم أن هؤلاء القراصنة يجدون طريقهم غالباً إلى ضعفاء النفوس، وإلى من أثقلهم الخوف من كلمة "الفضيحة". فيطرقون أبوابهم في لحظة ضعف، ويوهمونهم أن الحل بأيديهم، وأنهم وحدهم القادرون على الستر والإنقاذ، دون أن يدرك الضحية أنه يسلم نفسه طواعيةً لسلسلة لا تنقطع من الابتزاز والاستنزاف. فالسكوت لا يُنقذ، والخضوع لا يُنهي، بل يُغري القراصنة بالمزيد، ويمنحهم سلطةً أشد قسوة.
يظهر القراصنة في صورة الأنقياء، لكن الحقد وحب المال وإيذاء الناس صفاتٌ متجذّرة في قلوبهم، تحرّك سلوكهم وتسيطر على عقولهم. المال عندهم غاية، وأي وسيلة مهما كانت سيئة مبرَّرة للوصول إليه. لا يتورّعون عن تدمير سمعة، أو تحطيم نفس، أو زرع خوفٍ دائم، ما دام ذلك يدرّ عليهم أرباحاً. إنهم يؤمنون بمنطقٍ واحد: الغاية تبرّر الوسيلة، ولو كانت الوسيلة جريمة، والغاية خراب إنسان.
من هنا، يصبح كشف هؤلاء القراصنة ضرورةً ملحّة، لا خياراً مؤجّلاً . والصمت عنهم مشاركة غير مباشرة في استمرار جرائمهم. كما أن التوجّه إليهم تحت أي ذريعة خطأ جسيم يجب أن نتوقّف جميعاً عن تبريره أو التهاون معه. فالقراصنة ليسوا حلّاً، بل أصل المشكلة، وليسوا ملاذاً آمناً، بل بوابةً للخطر الدائم.
إن الطريق الصحيح واضح، وإن بدا شاقاً في بدايته: القانون، واللجوء إلى المختصين، والجهات الرسمية، وأصحاب الخبرة القانونية والتقنية. هؤلاء وحدهم القادرون على التعامل مع الابتزاز بطرق تحمي الضحية، وتُحاسب الجاني، وتكسر دائرة الخوف. كما أن تشجيع الضحايا على الكلام، ودعمهم نفسياً وقانونياً ، يقطع الطريق على القراصنة، ويجفّف منابع قوتهم.
في معركة الوعي هذه، نحن جميعاً مسؤولون. أن نُصارح، وأن نُحذّر، وأن نشجّع على عدم الانصياع، وأن نرسّخ قناعة راسخة بأن الخوف ليس حلّاً ، وأن الفضيحة الحقيقية ليست في الوقوع ضحية، بل في الاستسلام للمجرم. حين نواجه، ونثق بالقانون، ونرفض الابتزاز، ننتصر… وتنهزم قراصنة الظلّ مهما تلونت ألسنتهم بحلاوة زائفة.