غزة... من الريفييرا إلى المدينة التكنولوجية

2025-12-20 13:17:27

إذا كانت وول ستريت جورنال مصدراً موثوقاً، وهي أقرب إلى ذلك، فإن ما نشرته حول مشروعٍ أميركيٍ جديد باسم "شروق الشمس" أعدّه الثنائي ويتكوف وكوشنير، يستحق المناقشة ليس من زاوية جدية تحقيقه، ولا حتى من زاوية ما ينطوي عليه من مزايا أو محاذير، وإنما من زاوية أن غزة ما تزال بمثابة حقل تجارب، لصيغٍ ورؤى لمشاريع استثمارية، وليس لحل قضيةٍ إنسانيةٍ سياسيةٍ ملحة، يكثر الحديث عن مستقبلها المُتخيّل بتجاهل واقعها الحقيقي الذي يصدق عليه القول من لم يمت بالقصف يموت من البرد والصقيع.

حدث أن قدّم الرئيس ترمب بعد يأسه من تسويق حكاية الريفييرا، مبادرةً تُبقي أهل غزة في بلادهم، وتعدهم بأكثر من وقف إطلاق النار عليهم، وإعادة إعمار بلدهم، مع إدارةٍ ذاتيةٍ لغزة من أهلها، وإرسال قواتٍ متعددة الجنسيات للمساعدة على تنفيذ خطط ترمب، بإنهاء الحرب كمقدمةٍ لفتح ملف القضية الفلسطينية على حل.

ولأن المأساة كانت مروّعة تفاءلنا بوقف حرب الإبادة، وسجّلنا هذا الإنجاز التاريخي في رصيد الرئيس ترمب، والآن وبينما وزير خارجيته السيد روبيو، يقدّر أن تنفيذ مبادرة رئيسه يحتاج إلى ثلاث سنواتٍ إن لم يكن أكثر، وبينما الرياح والأمطار والمنخفضات تقصف غزة ونحن ما نزال في أول الشتاء، أرسل كوشنير وتوأمه ويتكوف، رسالةً لأهل غزة يقولان فيها إننا سنحوّل بلدكم إلى مدينة تكنولوجيةٍ متطورة، كلفتها عشرات مليارات الدولارات، وستساهم أمريكا بعشرين بالمائة منها.

أهل غزة الذين لم يصدقوا حكاية الريفييرا حين طرحها الرئيس ترمب، لم يصدقوا بالتأكيد حكاية المدينة التكنولوجية التي يقال إن مشروعاً بشأنها قد أعد فعلاً، ومقياس أهل غزة في الأمر، أن من لم يقدم لغزة ما يكفي أو حتى بعض ما تحتاج لمواجهة صقيع الشتاء، لا ينظر بجديةٍ لوعوده ومشاريعه الخيالية.

إن ما تحتاجه غزة هو كف يد العدوان الإسرائيلي المتمادي عليها، ودون ذلك فكل ما يقال عن المشاريع المستقبلية هو كلامٌ فارغٌ أو حقن تخديرٍ عديمة المفعول.