نقطة ضوء: “دمهم وطن… وحقوقهم صمام حياة”.

2025-12-19 09:47:00

▪ ليست القضية مالية، ولا إدارية، ولا نتاج عجز طارئ في الموازنة، كما يُراد لها أن تُقدَّم. القضية أبسط وأخطر في آنٍ واحد: قرار  قطع رواتب ومخصصات الأسرى والشهداء والجرحى ، نتاج  ضغط أمريكي–إسرائيلي، وفق رواية تصفهم بالإرهاب، وتنأى عن اعتبارهم أبناء وطن أُرسلوا باسمه إلى المواجهة.

▪ هؤلاء ليسوا حالات فردية ولا “انحرافات”، بل هم أبناء فلسطين: التي نادت وعبّأت وشرعنت الفعل، ثم يُراد لها أن تتراجع عن خطوط النار بعدما اشتدّ الضغط والتهديد والوعيد. والسؤال الذي لا يمكن القفز عنه: كيف تُحاسَب فلسطين على من أرسلتهم؟ وكيف تتحوّل التضحية، بعد وقوعها، إلى تهمة سياسية؟ .

▪ الخطير في هذا القرار ليس فقط قطع الرواتب، بل قطع المعنى الوطني. أن يُقال للأسير في زنزانته إن قضيته باتت عبئًا، ويقال لأم الشهيد إن دم ابنها لم يعد صالحًا في السوق الدولي، وأن يُقال للطفل إن والده “إرهابي” لا يستحق حتى الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية. هنا، لا نتحدث عن إجراء مالي، بل عن إعادة تعريف قسرية للوطنية وفق القاموس الأمريكي–الإسرائيلي.

▪ تحت شعار “الالتزام بالشروط الدولية”، جرى تزوير اللغة أولًا، ثم تزوير الرواية. تحوّل الشهيد إلى مشكلة، والأسير إلى إحراج، والجرح إلى تفصيل يمكن شطبه. وفي المحصلة، لم تُعاقَب السياسة، بل عوقبت العائلات، وجُوِّع الأطفال، ووصِمت الذاكرة.

▪ ومع ذلك، فإن هذا الرهان خاسر. أمريكا لن تعطي، وإسرائيل لن ترضى، حتى لو شُطب الشهداء من السجلات، والأسرى من التاريخ، والجرحى من الصورة العامة، وحتى لو جرى تزوير المناهج لأبنائهم. ما يُطلب ليس إصلاحًا ماليًا، بل تنازلًا أخلاقيًا وسياسيًا عن جوهر القضية.

▪ من هنا، تقع المسؤولية مباشرة على الحركة الوطنية الفلسطينية وهياكلها الشرعية: منظمة التحرير الفلسطينية، وسلطتها الوطنية، لإيجاد حلول خلاقة وفورية لهذه القضية، دون أي مساس بحقوق الأسرى والشهداء والجرحى، ودون تحميل العائلات ثمن الابتزاز الدولي. هذه حقوق وطنية وواجبات سياسية لا يمكن تأجيلها أو الالتفاف عليها.

▪ لا قلعة تحمي فلسطين وثوابتها، ولا جيش يحرُس معناها سوى أهلها فقط، ولا جنود يمكنهم إسقاط خطط التهجير والطرد والاستيطان والضم والذل والقهر سوى شعبها. وحين يشعر أهلها أن دمهم قابل للمساومة، فإن الخطر لا يكون على الرواتب فقط، بل على الوطن نفسه.

“يا جماعة الخير” أعيدوا قراءة المشهد مرة أخرى، ففيه من الغضب الوطني الكثير ، والوجع الكثير  .