صديقي ... والتغيير القادم

2025-12-12 18:26:41

سألني صديقي العائد عن طرق التغيير والتحول في المجتمعات المحلية والشعوب والانتقال من قيادة إلى أخرى، أو سلوك إلى آخر؟ أجبته نحتاج إلى عالم اجتماعي لدراسة مكنونات الظواهر الاجتماعية وأسرار سلوك الجماعات والأفراد، واستاذ في السياسة كي نفهم آليات التغيير، ودعني أقول لك في تونس التي تعادل منتخبنا مع منتخبهم في كاس العرب يكرهون كلمة التحول لارتباطها في عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، وفي ظني أن العرب يكرهون كلمة الانتقال الديمقراطي للأحداث لتي جرت إثر الربيع العربي في بداية العشرية الثانية من القرن الحالي "قلت في نفسي إنّ هذه الجملة تريحني من عبء الإجابة على سؤاله".

قال صديقي بلهجة واثقة بأنه يدرك ذلك، وهي مسألة مسلم بها، لكن التغيير يحدث بإحدى الطريقتين؛ الأولى: بوجود قيادة متنورة تحتكم إلى رؤية اجتماعية بالأساس، وبُعد نظر "حكمة وحصافة" في قراءات المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وتمتلك المبادرة "الفطنة" في سلوكها وردود أفعالها؛ يظن البعض أنها تخاطر بمستقبلها السياسي أو تضع مصيرها على المحك عند اتخاذ قراراتها المصيرية في صنع المستقبل لشعوبها. والثانية: يتولد التغيير من القواعد الاجتماعية "أي الجذور" عبر حراكات اجتماعية وثقافية وسياسية متناثرة ومبعثرة وإرهاصات العمل الشعبي لخلق اتجاهات سلوك تتخلق عنها الظواهر السياسية التحويلية.

وبسرعة قلت له أن الطريقة الثانية، في ظني، ابتدعها "الآباء المؤسسون للثورة الفلسطينية" حيث تولد التغيير في العام 1965 من إرهاصات العمل الشعبي والحوارات الاجتماعية التي سلكتها، بالإضافة إلى احتياج شعبي يبدل طرق السلوك السياسي والميداني. لكن صديقي أضاف، كنت تقول في كتاباتك ومقابلاتك أن تغيير القانون عادة يكون لتغيير سلوك المواطنين واهتمامات المجتمع أي بمبادرة من الحكومة التنويرية "القيادة السياسية"، أو لترسيخ قواعد تعارف عليها المجتمع بقوننة هذا النمط من السلوك من قبل الحكومة. أي بمعنى آخر، على حد قول صديقي، القيادة تبادر أو القيادة تستسلم.

قلت له إن مفهوم التغيير يعني التطور والسير إلى الأمام وعدم الوقوف في المكان، وهو سِنةُ الحياة. أشار صديقي يديه بأنه يتفق في هذه الجزئية، لكنه أضاف التغيير السياسي يُبنى أو يُنتج من الجذور أي القواعد الشعبية التي تقرأ الواقع وتحولات في البنى الاجتماعية والثقافية في المجتمع خاصة إثر الصدمات الكبيرة أو الكوارث "النكبة" التي تحل بها، في ظني هذا ما حدث بعد النكبة عام 1948 حيث تحطمت البنى الاجتماعية؛ فالفلاح والتجار، وابن القرية والمدنية، والغني والفقر باتوا يعيشون في الخيام، ويصطفون في طوابير المساعدات أمام وكالة الغوث للحصول على ما يقتاتون عليه، وباتت الزعامات القائمة قبل العام 1948 تقليدية؛ لا تمثل المجتمع الفلسطيني وهمومه، فولدت من رحم هذه التحولات قيادة جديدة تعبر عن تطلعات اللاجئين والكادحين الرازحين تحت الاحتلال، "قلت في نفسي يا ويلي صديقي يُبشر بالتغيير بالعودة إلى الجذور بعد الكارثة التي حلت في قطاع غزة والضيق في الضفة الغربية كعالم اجتماع، وفقيه في السياسية، وخبير في الحراكات الاجتماعية يصدر الأحكام ويرسم المستقبل"، وأضاف أن التغيير في المجتمع لا يحتاج سنوات طويلة، كما كان سابقا، فأدوات التكنولوجيا والاحتياج الشعبي كفيلان بالعبور أو اختصار الزمن ما لم تقوم القوى السياسية "التقليدية" بالتغيير وإحداث تحول في سلوكها، وإلا التغيير يسبقها؛ فالشباب لديهم قدرة على إحداثه بطرق غير مُتخلية للكهول وإنْ امتلكوا أدوات القوة القهرية ووسائل الدفاع التقليدية.