نقطة ضوء: فتح والانتخابات … اختبار النار.

2025-12-05 08:48:08

▪تمتلك معظم الأحزاب والحركات السياسية في العالم مؤسساتٍ مختصة تعنى بإدارة العمليات الانتخابية التي تجري في فضائها الداخلي والخارجي، في حين ما تزال حركة فتح، كبرى حركات التحرر الفلسطينية المعاصرة، تخوض هذه الاستحقاقات بمنطق «الفزعة» و«البسطة» و«عليهم عليهم» و«غلابة يا شباب»، وهو منهج يؤدّي في معظم حالاته إلى نتائج كارثية، ويهزّ صورتها داخليًا وخارجيًا على حد سواء.

▪إن إنشاء لجنة حركية عليا للانتخابات داخل هيكلية حركة فتح ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وجودية؛ مؤسسة مهنية تشرف على العمليات الانتخابية التي ستخوضها من الألف إلى الياء، من خلال قراءة المجتمع المستهدف، وتحليل تركيبته واحتياجاته، وإجراء استطلاعات رأي علمية، واختيار أصحاب الكفاءات المهنية والمجتمعية الملائمة لخوض غمار هذا الحراك، وصياغة خطاب انتخابي ملائم له. وتضم هذه اللجنة خبراء في علوم الاجتماع والسياسة والقانون والإعلام والجماهير، وإدارة الحملات، وتحليل سلوك الناخبين.

▪إن غياب هذه اللجنة داخل بنية حركة فتح خلق فوضى عارمة، وربما متضاربة، في إدارة الانتخابات التي تخوضها. ولعبت اللجنة المركزية للحركة، والمفوضيات والهياكل  التنظيمية المنبثقة عنها  ، أدوارًا متفاوتة في رعايتها ومتابعتها والإشراف عليها. ولعل استحضار تجارب انتخابات مجالس: التشريعي، والثوري، والبلديات، واتحادات الطلبة، والنقابات، يبرز الثغرات والصعوبات والأخطاء والخطايا والمشاكل وتعدّد الآراء التي رافقت معظمها، بالإضافة إلى ضخامة التكاليف المالية والجهود المبذولة.

▪إن مهمة حركة فتح في أي انتخابات قادمة ستكون صعبة جدًا، في ظل بيئة مجتمعية فلسطينية مشحونة ضد السلطة الوطنية عامة وفتح خاصة، الأمر الذي يتطلب ثورة حقيقية في التخطيط والإدارة والأدوات والتنفيذ والخطاب. ويأتي هذا في سياق تحديات أوسع، حيث عجز النظام السياسي الفلسطيني عن تقديم نموذج حكم جماعي قائم على الشفافية والعدالة والمساواة، خالٍ من الفساد والمحسوبية و”الأوليغارشية”. وساهم الاحتلال الإسرائيلي في تعقيد المشهد، من خلال اغتياله اتفاقيات السلام، وسيطرته المباشرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وفرضه قيودًا اقتصادية وأمنية وسياسية أثرت على حياة السكان. ومع استمرار الانقسام الداخلي، تواجه مسارات السلام والمقاومة الفلسطينية بشتى سبلها صعوبات كبيرة في إحراز أي تقدم ملموس على الصعيدين الوطني والسياسي.

▪إن إنشاء لجنة انتخابات حركية عليا داخل بنية حركة فتح، شرطٌ أساسي لتصحيح المسار الانتخابي الفتحاوي. ولذلك آن الأوان لأعضاء اللجنة المركزية للحركة ومجلسها الثوري أن يستوعبوا ضخامة المتغيرات وخطورتها، وعمق التحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني في الوقت الراهن، وأن يدركوا أن هذه اللجنة المهنية ليست ساحة للمناكفات وتقاسم النفوذ – كما حدث في قديم الزمان – بل ضرورة وطنية وحركية عليا. لقد آن الأوان أن تغادر فتح ثقافة «الطوشات» و«المحاور» و«الفزعات»، وأن ترعى خياراتها الانتخابية عبر مؤسسة لا ترتجل، ولا تُدار بالمزاج، بل بالعقل والخبرة وحسابات المستقبل.

▪وإذا فشلت حركة فتح في إحداث تغيير حقيقي وجوهري في آلتها الانتخابية، فستشهد - ربما - الانتخابات المحلية المقبلة بروز الصور أو المظاهر التالية:
• ستجد حركة فتح نفسها عاجزة عن تشكيل قوائم انتخابية فتحاوية خالصة، في ظل تمدد وتنافس القوى العائلية والجهوية والاقتصادية – التي سترتدي اللباس التنظيمي – دون أن تحمل في كنفها مشروع الحركة أو روحها الوطنية.
• وستخوض حركة فتح منافسة انتخابية حادّة تعكس تباين البرامج والرؤى في ظل واقع فلسطيني خانق تحاصره الحروب والانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
• سيتقدم صفوف الانتخابات مرشحين لا يتمتعون بثقة المجتمع ولا يمتلكون تجارب ناجحة في بناء المؤسسات، مما يفاقم الفجوة بين حركة فتح وجمهورها.
• وستشهد الساحة الانتخابية المحلية ظهور عشرات الكتل الفتحاوية المتنافسة، متباينة الدوافع والبوصلات، مما يعمّق حالة التشظي داخل البيت التنظيمي ويضعف جاذبية خيارات حركة فتح أمام الناخب.
• وسيبرز ضعف واضح في المشاركة الشعبية للانتخابات المحلية المقبلة، مهما حاولت القوى الوطنية المختلفة حشد التأييد لها، وذلك بفعل الإرهاق السياسي واللامبالاة التي تعصف بالشعب الفلسطيني.
• وسيلعب المال الفلسطيني دورًا مؤثرًا في توجيه مسار الانتخابات البلدية المقبلة، بما يحمله من نفوذ وتحالفات وظلال ثقيلة على نقاء العملية الانتخابية.
• وستلقي نتائج الدورة السابقة بوزنها على المشهد الانتخابي، بعدما أوصلت حركة فتح إلى سدة الحكم – في معظم البلديات – نماذج ضعيفة في الإدارة المحلية بشهادة الجمهور ومؤسسات المجتمع المدني.
• ولهذه الأسباب، سيمنح الناخب الفلسطيني صوته للخيارات المهنية القادرة على خدمة الناس، بغضّ النظر عن خلفيتها السياسية أو انتمائها التنظيمي، وسيحظى المستقلون بدعم لافت.

▪لحظة الحقيقة تقترب: فإما أن تبني فتح مؤسستها الانتخابية وفق الشروط السالفة الذكر، أو تتحمل ثمن الخسارة أو أنصاف النتائج. اللهم هل بلّغت، اللهم فاشهد.