التحضير الصامت وسُداسية المصداقية
في الدورات والتدريب السياسي والتنظيمي تحتاج لأن تجذب الجمهور، أو المشاركين في الفعالية أي كانت، هذا أولًا، ولك أن تنظر في ذلك منذ اللحظات الأولى.
ونحن من خبرتنا الطويلة بالعمل السياسي والتنظيمي والتدريبي نقول أن جذب الجمهور والتأثير فيه يأتي حتى قبل بدء المحاضرة أو الندوة او الدورة، او أية فعالية، وذلك من خلال الاستعداد المسبق للمدربين أوالمحاضرين أو طاقم العمل.
التحضير الصامت: أنت، والمادة، والمكان
التحضير واجب عليك باجزائه الثلاثة التي يراها الجمهور
أي تحضير نفسك واستعدادك أنت ذاك الشخصي النفسي، والفيزيائي بالشكل، والذهني، والمِراني.
وثانيًا تحضير المواد اللازمة والجدول وكل متعلقات الورشة أو الدورة أو الفعالية.
وثالثًا تحضيرات المكان أوالقاعة بكل ما فيها.
وهذه الثلاثية التحضيرية تساهم بإعطاء الانطباع الايجابي في قلب المشارك أو المتدرب أو الحاضرين حيث يستقر في نفوسهم الإعجاب ولو الخفي (أو الغضب او عدم الرحة بالاتجاه الآخر حين التقصير) ، لاسيما وأنهم سيعقدون مقارنات ذهنية مع دورات او ندوات أخرى لربما شاركوا فيها.
ومن هنا فإن جاهزية الأشخاص (أنت وفريق العمل) من حيث الملابس وطريقة الكلام والابتسامة والتفاعل مع المشاركين والاهتمام بهم والسلام عليهم منذ البداية يعطي رسالة إيجابية عنك وعن الموضوع، وكما الحال مع توفر كل مستلزمات الدورة أو الورشة من ملفات وأوراق وأقلام وضيافة وخلافه. وكذلك جاهزية ذات القاعة/المكان من الطاولات والكراسي، وأجهزة العرض الضوئي أو الشاشات أو الألواح..الخ، كما أسلفنا. إنها عملية تأثير صامته بلا أي كلمة وتتسلل الى نفس المشارك منذ الوهلة الأولى.
الانطباع ومطابقة التوقعات
إن اعطاء الانطباع العام يأتي منذ اللحظات أو الدقائق الأولى للفعالية، ثم ينتقل ليتخذ شكله في ذهن المتلقي حينما تتطابق توقعاته مع مضمون الدورة أو الورشة (أو المهرجان، او الندوة، او اللقاء...أية فعالية) ثم ثالثًا حينما يكون العرض أو الحديث والعمل وبأساليبه المؤثرة يتوافق أيضًا مع ذلك.
لذلك فإن تحقيق التوقعات ومقابلتها مع ما يحصل يستلزم إعلام الجمهور المشارك مسبقًا بالفعالية ومواضيعها ليكون متأهلًا، ومستعد نفسيًا فلا يصدم بما هو مخالف لتوقعاته التي تم إرسالها أو إعلامه بها مسبقًا.
نحن نحقق الانطباع الأول بلا أي كلمة، ثم يأتي التأثير بطريقة التعامل لندخل في حالة العرض أو إلقاء المحاضرة أو استخدام أدوات المحاضرة او التدريب المختلفة والتي ستضفي المصداقية والثقة على المتحدثين أو إدارة الفعالية (فريق العمل) وكلما تناغم العمل بين فريق التدريب أو الفعالية عامة، وظهر تعاونهم وعبروا عما يقولونه بلغة واثقة وأسلوب لطيف دون إرغام أو ضغط وبرحابة كلما اتسع صدر المشاركين لهم وازداد مكنون الثقة بهم.
التلاعب يقتل المصداقية
في فن الحديث ومواجهة الناس مهما كان نوع ذلك أي بالمحاضرة او التدريب أو الخطاب، او في أي مناسبة تنظيمية أو جماهيرية، فإن المصداقية والثقة بالمحاضر أو المتحدث تعني الكثير إذا كانت رغبتنا التأثير بالجمهور، وقد لا تعني الكثير للقائد أو المدير أو للسياسي الفاسد الذي ينتظر من الجمهور التصفيق له استجابة لوعوده التي تدغدغ القلب وتُسقط العقل او لذاك السياسي الذي يتلاعب بالدين ليزف للناس بشرى أنه قائدهم الملهم! بالدوس على عقولهم، ومن هنا فقد يصدّق الجمهور الأمر للوهلة الأولى، مدفوعًا بتوقعات مسبقة او بالامل، لكن عناصر المصداقية والثقة التي ربما تشكلت للوهلة الاولى قد تنقلب على الشخص حين الامتحان بتطبيق الوعود!
لذا فإن عملية التأثير بالناس عند المخادعين والفاسدين خاصة من السياسيين قد تتخذ المنحي العاطفي المفرط (وضمن قانون: تهييج وتضليل وتحشيد الذي كتبنا عنه كثيرًا) ومنه القيَمي باختلاق قصص ذات جذب اجتماعي أو باستغلال العاطفة الدينية أو بادعاء بطولات ما، قد تخيل وتنطلي على الجمهور نعم، لكنها مع الوقت لن تشكل المصداقية والثقة الحقيقية وإنما قد تتكون لمرحلة مؤقتة، وسرعان ما تنكشف مع الزمن، لأنها بالحقيقة تلاعب وزيف وخداع.
سُداسية المصداقية
إن عملية التأثير وترك الانطباع الايجابي بالناس، ومن ثم جذبهم لمحيطك أو طرحك تستدعي منك تحقيق المصداقية والثقة، فهي تكتسب ولا توهب. ولذلك فمنذ بداية الانطلاق ومقابلتك الناس عبر حديث قصير أو طويل تمهيدي فإن عليك التأهب لإبراز ذاتك بمصداقية الحديث وطريقة إلقاء الحديث ودون خداع أو كذب أو تلاعب درج عليه السياسي المخادع.
1-إن إظهار خلفيتك الفكرية او السياسية أو الثقافية اوالعلمية أو الاجتماعية او العملية المكتسبة بالتجارب (او ربما جلّها) قد تكون ضرورة لا غنى عنها أحيانًا خاصة لمن لا يعرفونك، ولكن بلا إسهاب وتفاخر أو تكبّر.
2- ولا بد من إضفاء اللمسة الانسانية عليك، ومسيرتك تلك التي لا تخاف من إبراز (قصص) الضعف فيك واستخدامه كقوة مدّتك بالوقود والحافز للعطاء والعمل والنمو، بمعنى أن الفشل لا يعيبك وإنما ما يعيبك الكذب وادعاء العصمة من الوقوع أو الفشل.
3- ولك أن تزيد من ثقة الجمهور بذكر الأحاديث أو الأمثلة وبالاستشهاد بالآيات القرآنية أو النصوص الدينية ذات الصلة بالموضوع وبطريقة لا تبعد التفسير عن حقيقة النص، او تستنزفه
4-ولك أن تظهر المصداقية أيضًا بقول الحقيقة بكلمات أنيقة أو موزونة و رصينة دون إساءة لأحد بالإسم أودون شتائم او تحريف أو تقديس لذاتك، أو رأيك. ودون تكفير او تحقير أو تخوين للآخرين. وإن كانت المقارنات بالآراء جائزة فإن الاتهامات والشتائم دلالة ضعف وسقوط.
5-ليكن باعتبارك أن شخصك هو ما تعبر عنه بالشكل أي بالملابس والرموز وحركات اليدين والجسد التي كلما كانت مفتوحة ولطيفة ودودة كلما جذبت جمهورًا أكبر ليصدق ما تقوله مقترنًا بكيف تقوله بصوتك ونبراته وتغيرها ولغة جسدك،
6-يحتاج الامر منك سادسًا لتحقيق التفاعل مع الجمهور وجذبه وتكريس المصداقية بأن تتحدث بسلاسة ووضوح ومباشرة دون إغراق بالمصطلحات أو لغة الوعظ الهجومية، أو النصح الثقيل وإنما بلغة قصيرة جميلة عميقة الهدف واضحة الأسلوب قابلة للفهم ومدعمة ربما بالأرقام او الامثلة.
يقول المولى عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين- التوبة:119) و(ليجزي الله الصادقين بصدقهم-الأحزاب:24)، وأخبر المولى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يجعل له (لسان صدق في الآخرين-الشعراء:84) وهي السمعة الحسنة هنا، وعامة فإن الصدق فعل دائم قرين الإيمان والصلاح هذا بشكل عام، فما بالك بالمتحدث أو المدير أو القائد في مجال عمله؟!
إن المصداقية قيمة عظمى وهي التزام وسلوك وممارسة دائمة، وتظهر كلما طابق القول الفعل، واكتساب المصداقية لما تقوله، وبالتالي تكريس الثقة بك مسعى هام لكل انسان وكادر، ولكل مدرب بل ولكل قائد يبتغي تحقيق الأهداف وبها يفوز ويتقدم.