المؤتمر الثامن لفتح : لحظة الحقيقة بين استعادة الدور أو استمرار التآكل
في مقاله الأخير "نحو عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح" يضع الكاتب والمفكّر الفتحاوي بكر أبوبكر إصبعه على أهم نقطة في المشهد الفلسطيني اليوم: أن قوة فتح ليست شأنا تنظيمياً داخلياً، بل عنصراً حاسماً في قوة المشروع الوطني وقدرته على مواجهة الاحتلال.
ويذهب أبوبكر أبعد من التشخيص حين يقول بصراحة لافتة إن عقد المؤتمر الثامن "ليس بالطريقة السابقة" قد يشكل نقطة انطلاق جديدة نحو التحرر، ما يجعله يُحوِّل النقاش من أزمة داخلية إلى قرار مصيري يتعلق بمستقبل التمثيل الفلسطيني كله.
على مدار السنوات الماضية، تراكمت قراءات سياسية عديدة- محلية وعربية ودولية- تصف فتح بأنها تمرّ بمرحلة "تكلس تنظيمي"، وأن تعطّل انعقاد المؤتمر لأكثر من تسع سنوات أنتج فراغاً مؤسسياً وشرخاً بين القاعدة والقيادة.
بعض هذه التحليلات ذهب إلى أن الحركة فقدت جزءاً من زخمها الجماهيري لصالح قوى جديدة، وأن "غياب الحوار الداخلي" فتح مساحة واسعة للانقسامات ومراكز القوى.
ويضاف إلى ذلك ما أشارت إليه تقارير بحثية حول اتساع الفجوة بين الحركة والجيل المؤجل ، وغياب تمثيل حقيقي لقطاع واسع من الكوادر في غزة والشتات، وتراجع دور الحركة في المشهد المقاوم والمشهد الاجتماعي في آن واحد.
لكن رغم هذا الزخم من النقد، يبقى أبوبكر من القلائل الذين يعيدون النقاش إلى المعادلة الأصلية: "إضعاف فتح هو إضعاف للفلسطينيين، وإنهاض فتح يعني إعادة الاعتبار للمشروع الوطني."
هذه الفكرة المركزية تقلب زاوية النظر ، فالمطلوب ليس تفريغ الغضب، بل إعادة البناء.
من هنا، يصبح السؤال: كيف يمكن للمؤتمر الثامن أن يكون محطة استعادة وليس مجرد دورة جديدة من إعادة إنتاج الوضع القائم؟
التجارب التنظيمية السابقة تقول إن المؤتمر يفشل عندما يتحول إلى تمرين شكلي بلا نقاش، أو حين تُدار عضويته بمعادلات الولاء الشخصي، أو عندما تُحسم انتخاباته قبل أن يدخل المندوبون قاعة الاجتماع.
لكن ما يطرحه أبوبكر، وما نؤيده و تؤيده تحليلات متعددة، هو أن المؤتمر يمكن أن يكون بداية فعلية إذا توفرت ثلاثة شروط أساسية:
أولها، لجنة تحضيرية واسعة وشفافة تعكس تنوع الحركة لا اصطفافاتها.
ثانيها، إعادة ضبط العضوية عبر سجل محوسب وإتاحة الطعون، منعاً لأي تلاعب.
ثالثها، وثيقة سياسية جديدة تقول للناس بوضوح كيف ترى فتح مستقبل المقاومة، ومستقبل العلاقة مع غزة، والشتات، والسلطة، ومنظمة التحرير.
وهنا يبرز عامل حاسم لا يمكن القفز عنه: إنجاح المؤتمر الثامن يحتاج قراراً سياسياً أعلى من كل الأطر.
وهذا الدور، كما يشير كثير من الكوادر، يقع اليوم على عاتق الرئيس محمود عباس (أبومازن)، الذي كان له الدور الأكبر في إنجاز مؤتمر الشبيبة الأخير وتثبيت وحدة هذا الإطار الحيوي داخل الحركة.
الروح القيادية نفسها مطلوبة اليوم، وربما بشكل أكبر، في إطلاق المؤتمر الثامن وفق القواعد التي أشار لها بكر أبوبكر وكل التحليلات الجادة:
شفافية، عضوية واضحة، مؤتمرات أقاليم، وثيقة سياسية، وانتخابات حقيقية.
فاللحظة السياسية التي يمر بها الفلسطينيون لا تحتمل التأجيل؛ والمؤتمر الثامن، كما يصفه أبوبكر، ليس مجرد موعد تنظيمي بل عبور وطني إلى مرحلة مختلفة، خاصة بعد نكبة غزة الثانية (2023–2025) وما كشفته من خلل كبير في النظام السياسي الفلسطيني برمته.
لهذا السبب، تصبح الحاجة ملحّة لأن يتدخل الرئيس، كما فعل في مؤتمر الشبيبة، ويضع ثقل الموقع ورمزية القرار فوق كل الحسابات الجزئية، لفتح الطريق أمام مؤتمر ثامن يؤسس لمرحلة جديدة بدل أن يكون مجرد ملحق لمرحلة منتهية.
ولأن المؤتمر لن يكون ناجحاً بمجرد انعقاده، يصبح من الضروري توفير خطة إنجاز واقعية تضمن تحوله إلى محطة إصلاح حقيقية. وهذه الخطة تتلخص في ست خطوات واضحة تمثل الحد الأدنى لإنقاذ المشروع التنظيمي:
لجنة تحضيرية موسعة معلنة الصلاحيات والجدول الزمني.
مؤتمرات أقاليم في الضفة وغزة والشتات خلال ستة أشهر.
نشر قوائم العضوية وإتاحة الطعون قبل المؤتمر.
إعداد أربع وثائق أساسية: السياسية، التنظيمية، المالية، والنظام الداخلي المعدل.
انتخابات شفافة بإشراف رقابة داخلية مستقلة.
خطة "100 يوم" بعد المؤتمر لإعادة بناء الأطر التنظيمية واستعادة الحضور الشعبي.
في المحصلة، تبدو حركة فتح اليوم أمام مفترق طرق نادر في تاريخها:
إما أن تستعيد دورها التاريخي كحركة تحرر وطني قادرة على إنتاج قيادة شرعية ومسؤولة ،،،
أو تستمر في الدوران داخل حلقة من الجمود تُضعف الحركة وتُضعف الفلسطينيين معها.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن:
إذا كان الرئيس قد فتح الطريق أمام مؤتمر الشبيبة بنجاح .
فهل سيفعلها مجدداً مع المؤتمر الثامن، ويضع الحركة على طريق استعادة دورها؟
الجواب ستحدده الإرادة السياسية، وما إذا كانت فتح مستعدة لالتقاط الفرصة قبل أن تتولد أخرى ،،، ربما أكثر كلفة.