الفنان يوسف عوض يوثق ذاكرة غزة والمخيم بقلم الرصاص
في حلقة مميزة من برنامج “ضيف الرايـــة” الذي تقدمه الإعلامية آلاء مرار، استضافت شبكة رايـــة الإعلامية الفنان التشكيلي الفلسطيني يوسف عوض من مخيم عين عريك، للحديث عن مسيرته الفنية ومعرضه الأخير “غزة في 10 أمتار”، الذي وثّق فيه يوميات حرب الإبادة على قطاع غزة باستخدام قلم الرصاص فقط، على امتداد جدارية بطول عشرة أمتار، أنجزها خلال 730 يوماً من العمل المتواصل.
وقال عوض إن فكرة المعرض جاءت كرد فعل إنساني مباشر تجاه ما يحدث في غزة، موضحاً أنه بدأ بالمتر الأول دون تخطيط كامل للنهاية، لكن العمل تطور تلقائياً حتى اكتمل بعشرة أمتار جسدت مشاهد الموت، المجازر الجماعية، التجويع، التهجير، فصل شمال القطاع عن جنوبه، واستهداف الصحفيين، الذين خصهم بالمتر العاشر من الجدارية وفاءً لدورهم في نقل الحقيقة.
وأضاف أن من أبرز المشاهد التي جسدها؛ مفهوم “تبادل الأبناء” الذي لجأت إليه بعض العائلات خوفاً من فقدان جميع الأبناء دفعة واحدة، إضافة إلى مشهد ترحيل المدنيين، واستشهاد الطفلة نبيلة نوفل التي كانت من أصغر ضحايا الحرب.
قلم الرصاص… حكاية 43 عاماً من المقاومة الفنية
وتحدث عوض عن رمزية استخدامه لقلم الرصاص فقط، مؤكداً أن علاقته بهذه الأداة تمتد منذ 43 عاماً، منذ كان طفلاً في الصف الأول، حين كان يُعاقَب في المدرسة بسبب انشغاله بالرسم بدلاً من الدراسة، إلى أن تم اكتشاف موهبته لاحقاً على يد أحد المعلمين، ومن ثم التحاقه بمعهد الفنون الجميلة في رام الله.
وأشار إلى أن أولى رسوماته كانت عن الفرن الآلي، تأثراً بمهنة والده، في محاولة طفولية لتخفيف معاناته، لافتاً إلى أن معظم أعماله لا يوقعها باسمه، لأنه يعتبر أن له بصمته الخاصة التي تُعرّف عنه دون حاجة للتوقيع.
المخيم… ذاكرة المكان والهوية الدائمة
وأكد الفنان أن نشأته في مخيم عين عريك شكلت ملامح تجربته الفنية، حيث انعكس ضيق المكان وقسوة الحياة على موضوعاته، من تفاصيل البيوت، إلى النوافذ، إلى شوارع المخيم والمياه والغسيل، معتبراً أنه “لاجئ مرتين”، حتى بعد انتقاله للعيش في القرية، إذ حمل معه المخيم إلى كل تفاصيل أعماله.
وأوضح أنه أنجز أول جدارية له عام 2005 بمناسبة ذكرى النكبة، وكان رمز “المفتاح” حاضراً بقوة، ولا يزال يظهر في آخر أعماله حتى اليوم.

من “الموت الفجائعي” إلى “قميص يوسف”
واستعرض عوض في حديث عبر شبكة رايـــة الإعلامية، محطات فنية بارزة في مسيرته، من بينها معرض “الموت الفجائعي” الذي استلهمه من أعمال الروائي وليد سيف، ومعرض “ملح” الذي تناول قضية اللجوء الفلسطيني منذ ما قبل النكبة وحتى السنوات الأخيرة، إضافة إلى معرض “زينب” الذي جمع بين النص الأدبي والفن البصري عبر 101 عمل فني.
كما تحدث عن عمله “قميص يوسف”، الذي أسقط فيه قصة النبي يوسف على الواقع الفلسطيني، معتبراً أن دم الفلسطيني “لم يعد يحتاج ذئباً ليُلطخ القميص”، في إشارة إلى خذلان العالم.
المعرض ليس للبيع… والفن رسالة
وأكد الفنان أن معرض “غزة في 10 أمتار” ليس معروضاً للبيع، إلا في حال تبنته مؤسسة لأغراض خيرية لدعم غزة، مشيراً إلى مشاركته بلوحة مستوحاة من المعرض في مزاد خيري بفرنسا، خُصص ريعه لدعم أهالي القطاع.
وأوضح أن الفن بالنسبة له رسالة قبل أن يكون مصدر دخل، مستعرضاً تجاربه في رسم الجداريات التطوعية، والعمل مع الأطفال، وتأسيس مراكز تدريب فنية مجانية داخل المخيم.
ورش “فن المصغرات” وبناء جيل فني جديد
وفي جانب آخر، أعلن عوض عن إطلاق ورشة تدريبية حول “فن المصغرات” بالتعاون مع مؤسسة القطان، التي شهدت إقبالاً كبيراً واكتمل التسجيل فيها خلال عشر دقائق فقط، ما يعكس تعطش الشباب لمثل هذه المساحات الإبداعية.
وأشار إلى أن مشروعه المستقبلي يركز على “تفريغ المخيمات” عبر أعمال فنية تجسيدية باستخدام خامات مختلفة، إضافة إلى التوسع في بناء مجسمات مصغرة للمخيمات كتوثيق بصري للذاكرة الفلسطينية.
رسالة أخيرة
وفي ختام اللقاء، وجّه الفنان يوسف عوض رسالة للشباب والمؤسسات الثقافية، دعا فيها إلى صناعة جيل فني واعٍ يحمل القضية الفلسطينية، ويحمي الذاكرة من النسيان، مؤكداً أنه لا يبحث عن دعم مادي بقدر ما يسعى لتكوين نواة فنية حاملة للرسالة عبر الأجيال.