حكاية العفو… بين عرفات وكلينتون ونتنياهو
أثناء زيارته لفلسطين في الرابع عشر من ديسمبر التي افتتح فيها إلى جانب الرئيس الراحل ياسر عرفات، مطار غزة الدولي، وألقى خطاباً أمام المجلس الوطني، استغل الرئيس عرفات هذه الزيارة وطلب من الرئيس كلينتون، التوسط لدى نتنياهو الذي كان رئيساً للحكومة آنذاك لاستصدار قرار من رئيس الدولة يقضي بالإفراج عن أسيرين فلسطينيين مريضين، ومن أجل إضفاء طابعٍ عاطفيٍ إنساني، استضاف عرفات في مكتبه زوجتي الأسيرين ومعهن عدد من الأطفال، والتقطوا صوراً مع الضيف الكبير.
يبدو أن الرئيس كلينتون اعتبر موافقة نتنياهو مضمونةً في جيبه، نظراً لأن العفو عن أسيرين مريضين، ليس بالقضية الشائكة التي يمكن أن يردّ برفضها طلب رئيس أكبر دولةٍ في العالم.
ذهب كلينتون إلى إسرائيل والتقى نتنياهو وعرض عليه طلب أبو عمّار بالعفو عن الأسيرين المريضين، فوجئ الرئيس الأمريكي باعتذار نتنياهو وكان اعتذاره مبرراً بأن إسرائيل دولة قانون وأن قرار العفو من قبل رئيس الدولة يخضع لإجراءاتٍ قانونيةٍ ومعقدةٍ ولا يمكن تجاوزها.
ألحّ كلينتون على نتنياهو بمنطق الضرورات تتيح الاستثناء، ولكن نتنياهو أصرّ على موقفه.
أبلغ الرئيس كلينتون عرفات برفض وساطته واعتذر عن ما حدث.
منذ ذلك اليوم الرابع عشر من شهر ديسمبر 1998، حيث تمت أول وآخر زيارةٍ للرئيس كلينتون لغزة وبيت لحم، وحتى يومنا هذا جرت في الأنهار مياهٌ كثيرة، ووقعت أحداثٌ جسام، منها ما يحدث هذه الأيام، ودخل مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال إلى السجون الإسرائيلية واحتجزت جثامين فلسطينيين استبدلت أسماء أصحابها بأرقام، ولكن كانت للقدر ألعابه التي لا تخطر على بال، فقد حدث أن وجهت اتهاماتٌ كبرى لنتنياهو أوصلته إلى قاعة المحكمة، وبات أكيداّ أن يذهب إلى السجن جرّاء إدانته بها.
حاول نتنياهو التحايل على القضاء، وحين لم تمر تكتيكاته عمل زميله في الائتلاف ليفين على تدمير القضاء لعله ينقذ نتنياهو من المحاكمة والحكم.
بعد التأكد من حتمية إدانته، لم يتبقى أمامه سوى أن يتقدم بطلب العفو من رئيس الدولة ولعله لم يتذكر حكاية امتناعه عن طلب العفو لأسيرين مريضين، ولكنه بالتأكيد يتذكر وساطة كلينتون التي رفضها.
لعبة القدر وضعته مكان الأسيرين المريضين، والفرق بين الواقعتين أن كلينتون قام بالوساطة بينما ترمب طلب العفو، وما أن شاع خبر التماس نتنياهو بطلب العفو من رئيس الدولة، حتى اشتعلت إسرائيل كلها بفضيحةٍ مدوية عنوانها رئيس وزراءٍ قوي، يلتمس العفو من رئيس دولةٍ بلا صلاحيات، ولعل أدق تعليقٍ إسرائيل قيل في هذه الواقعة، أن نتنياهو حيث أراد إنقاذ نفسه من السجن أو الاعتزال، ثبّت بطلبه العفو جميع التهم الموجهة إليه، إذ لو كان بريئاً كما يدّعي محاموه لما احتاج إلى طلبٍ من هذا النوع.