عندما يعتقد أوريم ان بركان العفر هو حبل نجاته
منذ ما يقارب قرنًا ونصف حلم من ادّعى أنه من أحفاد سام بأن الطبيعة وعدته بوطن مقدس، وهو حلم لم يذكر فيه الرب لأنه كان ملحدًا. لم يتخيل أن أحد أحفاده، داوود، سيحاول تجسيد تلك الرؤية قبل سبعة وسبعين عامًا متستّرًا بالدين مستخدمًا كل الأساليب، لكنه فشل. التقط الفكرة أحد أبناء داوود، ويدعى أوريم، وهو الشخصية التي يقف عندها هذا السرد، إذ يحاول منذ ثلاثين عامًا أن ينجز ما عجز عنه أسلافه. قبل عامين فقط وصل إلى قناعة بأنه مبعوث الرب لمحاربة المحيط وإبادة شعوبه، فارتكب مجازر مروّعة دون أن يحقق ما يريد.
قبل أيام قليلة، وفي عالم تتشابك فيه الطبيعة مع السياسة بطريقة غير مسبوقة، اعتقد أوريم أنه وجد فرصته عندما ثار بركان العفر. كان يرى أن الطبيعة يمكن توجيهها لتغيير موازين القوى وفتح الطريق نحو وطنه الوهمي الذي "لا تغيب عنه الشمس". بالنسبة له، الأنهار والجبال والبراكين أدوات استراتيجية، ومن يملك القدرة على التحكم بها يملك مصير الكون. لم يكن وحده في هذا المعتقد؛ فمستشاره يفيعت يشاركه الرؤية من زاوية أخرى، إذ يتابع منذ شبابه الأسطورة التي تتحدث عن توازن مثالي بين الماء والجبال والهواء. لكنه يعرف أن هذا الوعد لا يتحقق للقوة الغاشمة، بل لمن يفهم الطبيعة جيدًا دون أن يعتدي على الآخرين.
بدأت قناعة أوريم تتعزز حين شهدت هضبة هارونا نشاطًا حراريًا غير طبيعي، وامتدت شقوق غريبة على طول نهر نيلارا الذي يمد الحياة لمناطق واسعة. في مختبره المجهز بأحدث الأجهزة، رأى في ذلك فرصة لتنفيذ مشروعه الضخم "سد أورما" للتحكم بتدفق المياه بين نيلارا وخصومه: سيران وصهباء وغاليم. حذّره يفيعت من التسرّع، فالأرض – كما يعرف – تختبر كل من يحاول تطويعها.
مع بداية المشروع، تراجعت المياه في نيلارا وبدأ اقتصاد المناطق المحيطة يهتز. سيران وصهباء واجهتا نقصًا حادًا في المياه الجوفية، بينما ظهرت في مضيق أزول مناطق خطرة على الملاحة. تحولت الأزمة من سياسية إلى بيئية ثم اقتصادية، وتداخلت مستويات الخطر في كل الاتجاهات.
وفي ليلة أضاءتها انفجارات البركان، اقترب يفيعت من أوريم وقال له بنبرة ثابتة: الأرض لا تمنح قوتها لمن يحاول تجاوز حدودها، بل لمن يفهم قانونها. المكان الذي تبحث عنه لن يظهر وسط هذا الصراع." " ابتسم أوريم بسخرية، لكنه لم يتمكن من تجاهل ثقل كلمات الرجل الذي يعرف الأرض أكثر من أي أحد.
كانت الطبيعة تتحدث بطريقتها: تصدع الصخور، اندفاع أعمدة الرماد، ورائحة الكبريت التي تملأ الأفق. ما لم يعلمه يفيعت هو أن أوريم أخفى عنه استخدام تقنيات خطرة تسرّع النشاط البركاني طمعًا في توظيف الفوضى لصالحه، غير مدرك أن أثر فعلته سيطال الجميع بما فيهم هو نفسه.
مع اتساع شق هاريس في القارة، ازدادت الهشاشة، وتحولت مناطق نيلارا وسيران وغاليم إلى ساحات صراع بين البشر والطبيعة. ارتفعت أعمدة الماغما في هارونا، واهتزت الصفائح التكتونية، وتلبّدت السماء بالغيوم الرمادية. كل موجة حرارية وكل صخرة متساقطة كانت تذكيرًا بأن قوة الطبيعة لا يمكن تجاوزها بسهولة.
عندما أدركت القوى المتضررة حجم التهديد، بدأت نيلارا وسيران وصهباء وغاليم بتشكيل تحالفات لحماية الممرات المائية والمناطق الحيوية. تحوّل التنافس القديم إلى تعاون اضطراري، بينما أصبح يفيعت رمز الحكمة في مواجهة جنون أوريم. حاول إقناعه بأن الطريق الذي يسلكه سيقوده إلى الهلاك، لكن أوريم ظل مصرًا على أن العلم قادر على إخضاع الطبيعة في الوقت الذي يراه مناسبًا، بينما كان يفيعت مقتنعًا بأن الوقت لم يحن بعد.
خلال رحلاته الروحية بين التشققات البركانية، رأى يفيعت تدفق الصهارة وسمع هدير الزلازل، وكان يبحث عن إشارات تقوده إلى المكان الذي تتحدث عنه الأساطير. لم يرَ بعد أي علامة على أن الطبيعة ستمنح أوريم القدرة على السيطرة عليها، خصوصًا أن خصومه لا يزالون قادرين على الصمود.
في ذروة الفوضى، دار بينهما حوار طويل تحت ضوء البراكين: قال أوريم، إن لم أفعل ذلك، سيظل شعبي معرضًا للإبادة الطبيعة فرصة تمنح القوة لمن يعرف كيف يستغلها، فأجابه يفيعت: "ما تراه فرصة هو امتحان. الأرض لا تُمنح، بل تُصان. من يحاول تجاوزها يعود إليه أثر فعله مضاعفًا.
نظر أوريم إلى أعمدة النار والرماد وأدرك لأول مرة هشاشة خطته، خاصة حين شهد انهيار مختبره داخل فوهة النار واحترقت خرائطه التي رسم عليها طموحاته. اجتاحت المنطقة زلازل موضعية وموجات حرارية، فاختلط الطموح بالدمار في مشهد واحد.
بعد فشل أوريم في مسعاه عادت الأنهار إلى مجاريها تدريجيًا وهدأت الفوضى السياسية. اختفى أوريم في الظلال تاركًا وراءه إرثًا من الطموح الفاشل، بينما هرب يفيعت نحو ضفاف نيلارا متخفيًا، في مشهد يوحي بأن الحكمة وحدها قد تقود يومًا ما إلى المكان الذي وعدت به الطبيعة لمن يحسن الإصغاء إليها.
القصة ليست مجرد صراع سياسي أو تنافس على الموارد، بل درس عميق عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وعن الفرق بين من يرى القوة أداة للسيطرة ومن يراها دعوة للفهم والتوازن. فالمكان المقدس الذي اعتقد جد أوريم ان الطبيعة وعدته به لا يُمنح للقوة بل للحكمة، ولا يظهر لمن يحاول ترويض الأرض بل لمن يحترم قوانينها دون سلب حقوق الآخرين.