يُمكن تحويل الازمات الدولية الى فُرص

2025-11-16 18:42:40

في عالم اليوم، تتشابك الأزمات الدولية مع الصراعات المحلية بطريقة معقدة تجعل كل حدث بعيد يبدو قادراً على تغيير موازين القوى في مناطق بعيدة. ملفات جيفري أبستين، التي كشفت عن شبكات نفوذ دولية وشخصيات سياسية واقتصادية بارزة، ليست مجرد فضيحة أخلاقية أو قانونية، بل تحمل انعكاسات استراتيجية على الصعيد الدولي، بما في ذلك على سياسات الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل. بينما تظهر الأزمة المحتملة في فنزويلا كحدث جيوسياسي آخر قد يبدو بعيدًا عن الشرق الأوسط، إلا أن تفاعلات القوى الكبرى مع هذه الأزمة قد تفتح أبوابًا لتغيرات في معادلات القوة في غزة والضفة الغربية، خصوصًا خلال عام 2026.

ملفات أبستين يمكن أن تؤدي إلى تشتيت الانتباه الأمريكي والأوروبي عن ملفات الشرق الأوسط، ما يتيح لإسرائيل هامش حركة أكبر في الضفة الغربية، سواء من حيث تنفيذ مشاريع الاستيطان أو السيطرة على البنية التحتية والموارد. في الوقت نفسه، هذه الفضائح قد تضع ضغوطًا على صناع القرار في واشنطن وأوروبا، مما يغير أولوياتهم تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ويؤثر على الدعم السياسي والدبلوماسي للجانب الإسرائيلي. هذا التغيير في الانتباه الدولي قد يفتح فرصة للفلسطينيين لتعزيز حضورهم الإعلامي والدبلوماسي وتسليط الضوء على قضايا حقوقهم، لكن هذا التأثير يبقى محدودًا إذا لم يُستغل بشكل استراتيجي ومنظم.

أما الأزمة المحتملة في فنزويلا، سواء تحولت إلى غزو أم صراع داخلي حاد، فإن لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على فلسطين، حيث ان انشغال القوى الكبرى بالأزمة الأمريكية اللاتينية قد يقلل من مراقبتها أو تدخلها المباشر في الشرق الأوسط، مما يمنح إسرائيل فرصة لتسريع مشاريعها في الضفة الغربية وفرض وقائع جديدة على الأرض، بينما قد تواجه غزة زيادة في الضغوط أو الهجمات مع تراجع التدخل الدولي. كما أن التأثير الاقتصادي للأزمة على أسواق النفط والطاقة يمكن أن يؤدي إلى ضغوط على الدول المستوردة وبالتالي التأثير على المساعدات الدولية لغزة وعلى اتفاقيات التهدئة بين الأطراف المختلفة.

في ضوء هذه الأحداث، يمكن استشراف عدة سيناريوهات محتملة للعام القادم، السيناريو الأول يرى أن انشغال القوى الدولية بمعالجة آثار ملفات أبستين ومتابعة الأزمات العالمية يمنح إسرائيل مساحة كبيرة لتوسيع الاستيطان ومشاريع البنية التحتية في الضفة الغربية، في حين تواجه غزة ضغوطًا أمنية واقتصادية متزايدة ويتعمق تهويد القدس ويصبح الدعم الدولي محدودًا أو مشروطًا، أما السيناريو الثاني، فهو أكثر تفاؤلًا للفلسطينيين، إذ يمكن استغلال هذا الانشغال الدولي لتعزيز الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل، وتحقيق مكاسب إعلامية قوية ترفع الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية وتحد من حرية إسرائيل في فرض وقائع جديدة على الأرض، وهناك سيناريو وسط يجمع بين الاثنين، حيث تستمر إسرائيل في مشاريعها لكن ببطء نسبي بسبب بعض الضغوط الدولية، بينما تحافظ غزة على استقرار نسبي مع بعض التحديات المتقطعة.

في هذه المعادلة المعقدة، مشاريع إسرائيل في الضفة الغربية تعتمد على توازن دقيق بين الضغط الدولي والقدرة على التنفيذ على الأرض أي تراجع في التركيز الدولي أو انشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى يمنح إسرائيل مساحة أكبر للمضي قدمًا، بينما يتيح للفلسطينيين فرصًا للضغط والتكيف مع الأحداث، خصوصًا إذا تم تنظيم النشاط الإعلامي والدبلوماسي والقانوني بشكل فعال. غزة تواجه تحديات مضاعفة، لكن الفرص متاحة إذا نجحت القيادة الفلسطينية والمجتمع المدني في استثمار الانشغال الدولي لتقوية حضورهم ورفع صوت الحق.

باختصار، فالأحداث الدولية التي قد تبدو بعيدة عن الشرق الأوسط، مثل ملفات أبستين أو أزمة فنزويلا، تلعب دورًا غير مباشر لكنه حاسم في تشكيل المشهد السياسي في فلسطين خلال 2026 وما بعدها. فهي لا تؤثر مباشرة على الأرض، لكنها تغيّر موازين القوى الدولية، مما يخلق فرصًا للضغط أو التقدم، ويزيد من تعقيد المعادلات التي تحكم مشاريع إسرائيل في الضفة وغزة والقدس، يبقى العامل الحاسم هو قدرة الفلسطينيين على توفير عوامل تحول ضعفهم الى قوة، مثل الوحدة الوطنية وتوحيد الخطاب ووضع برنامج يشمل اختيار افضل وانجع سبل المقاومة وتحويل البرنامج الى ممارسة عملية ، كذلك تعزيز الإصلاحات بما يضمن التفاف شعبي حول الممثل الشرعي والوحيد (منظمة التحرير الفلسطينية)إضافة الى توفير مقومات صمود مما يحول التحديات الى فرص  قد تفضي الى انجاز المشروع الوطني الفلسطيني ومنع إسرائيل من انجاز مشروعها التوسعي.