حلّ الدولتين… بلا دولة فلسطينية، وضرورة رفض مشروع القرار الأمريكي بتعديلاته الزائفة

2025-11-16 18:20:59

لاحقا لما أشرت له في مقالي ليوم أمس بعنوان "غزة بين مشروعين ، واشنطن تعيد الصياغة وموسكو تعيد الحسابات " .
فانه من الواضح بأن الإدارة الأميركية  تتعامل مع القضية الوطنية الفلسطينية بمنطق إدارة الأزمة ، لا معالجة جذورها وفق سياساتها التاريخية المعادية لحقوق شعبنا . ففي مشروع القرار الأميركي "المعدّل" الذي تنوي تقديمه لمجلس الأمن الدولي خلال الايام القادمة ، تُقدم غزة كملف إنساني ، أمني وأستثماري منفصل ببعد استعماري ، وتُختزل القضية الوطنية إلى “برنامج إعادة إعمار وترتيبات أمنية”، بينما يتم تجاهل الأحتلال بوصفه أصل المأساة وبالتالي أستحقاق الإستقلال الوطني الفلسطيني ، الذي ترفضه العقلية الأمريكية والإسرائيلية الرسمية كجوهر لفكرهم الإستعماري الاستيطاني بالأساس .

ورغم "التعديلات المعلنة" والتي تهدف الى محاولات أمتصاص الغضب الناتج عن التحولات بالرأي العام بالولايات المتحدة وكذلك عن الآثار المترتبة على عزلة أسرائيل دوليا ومحاولة استرضاء المحور العربي . الا ان جوهر المشروع الامريكي بقي كما هو ، تثبيت وصاية دولية على غزة بإشراف أمريكي واعادة تموضع لقوات الأحتلال في غزة المقسمة وإعادة تشكيل مستقبلها خارج الإرادة الوطنية الفلسطينية . واما العبارات المدرجة حول “مسار نحو حل الدولتين وحق تقرير المصير” ، فهي ليست أكثر من "وعدٍ بمسار كوعودها السرابية السابقة" , لا تتعدى تجميل لغوي بلا التزامات أو آليات ، بل وتتعارض مع نصوص القرارات الأممية والقانون الدولي ، وإلى ما اشار له بوتين امس حول ضرورة تنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة ، بما في ذلك القرار الاستشاري الأخير الصادر عن أعلى محكمة في الأمم المتحدة والذي قضى بعدم شرعية الاحتلال والمستوطنات الإسرائيلية .

 أن مشروع القرار الأميركي "المُعدّل" يستثني اي دور رسمي فلسطيني ،  ويُمكن واشنطن من فتح قنوات متقدمة للتعامل مباشر مع حركة حماس لاحقا للقاءات قد تمت سابقا ، بما في ذلك نقاش الاتفاقات المعلنة حول "نزع السلاح" ، وتكريس دور إداري–أمني لها داخل غزة من خلال ما سيتمخض عن لقاء الحية مع المندوب الامريكي ويتكوف ، ما يسهل عملياً فصل القطاع عن المشروع الوطني الجامع وحق اقامة وتجسيد الدولة الفلسطينية على كافة الأراضي المحتلة وفق حدود ما قبل ٤ حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس ، بل ويخدم الرؤية الأمريكية الأسرائيلية حول ضرورة أستمرار الانقسام الفلسطيني وتغذيته .

بهذه الطريقة ، يتحول شعار “حل الدولتين” إلى عنوان بلا دولة فلسطينية ، ويتحول تقرير المصير إلى عبارة فارغة من المضمون في اطار ما يسمى "مسار الى" . إن القبول بالمشروع الأميركي ، بصيغتيه الأصلية أو "المعدّلة" التي أعلن عنا ، يعني عمليا منح واشنطن تفويضا بفرض ترتيبات طويلة الأمد في غزة ، وجر العرب إلى منح غطاء سياسي لعملية تُفرغ القضية الوطنية من مضمونها التحرري .

في مواجهة هذا الانحراف ، يظهر الخيار العربي الواضح ، بضرورة رفض المشروع الأميركي اعتماداً على رفضه فلسطينياً أولاً ، ومن ثم دعم المشروع الروسي والتعديلات الصينية والجزائرية ، كأدوات ضغط توازن مواقف مجلس الأمن وتمنع واشنطن من الأستفراد بصياغة مستقبل غزة والقضية الوطنية التحررية الفلسطينية .

إن التبني الفلسطيني بشكل واضح وجريئ وحازم لخيار الضغط عبر دعم المشروع الروسي بمساندة الصين والجزائر ، وتوسيع دائرة الرفض العربي والإسلامي لمشروع القرار الامريكي حتى المُعدل ، سيجبر واشنطن في نهاية المطاف على تعديل حساباتها كما فعلت بإدخال التعديلات المشار اليها ، والعودة من منطق الإملاء إلى منطق التفاوض الجاد ، والقبول بمسار سياسي يحترم الحقوق الوطنية الفلسطينية ولا يتحوّل إلى أداة لفرض عودة الوصاية الأستعمارية بوجه جديد.