تحت الحصار: التفكيك الممنهج للفضاء المدني الفلسطيني

2025-10-31 22:20:19

خاص - راية
تناول برنامج "قضايا في المواطنة" الذي تبثّه شبكة "راية" الإعلامية في حلقته الجديدة، موضوع "تحت الحصار: التفكيك الممنهج للفضاء المدني الفلسطيني"، مسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في ظل الاحتلال والانقسام الداخلي والقيود المفروضة على العمل الأهلي.

وشارك في الحلقة كل من، حسن محاريق عضو مجلس إدارة مؤسسة "REFORM"، تغريد جمعة المديرة التنفيذية لجمعية لجان المرأة الفلسطينية، تيسير نصر الله رئيس مجلس إدارة مركز يافا الثقافي.

حسن محاريق: الاحتلال والانقسام يعمّقان أزمة الفضاء المدني

استهلّ حسن محاريق مداخلته بالتأكيد على أن الفضاء المدني الفلسطيني يعيش حالة تضييق ممنهجة ازدادت حدّتها بعد الحرب الأخيرة على غزة، مشيرًا إلى أن الحصار المفروض منذ عام 2007 أثّر بشكل كبير على قدرة مؤسسات المجتمع المدني على العمل والتواصل.

وأوضح أن القيود الإسرائيلية تشمل منع السفر، وملاحقة النشطاء، وإغلاق المؤسسات، ومراقبة المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرًا أن هذه السياسات تهدف إلى "خنق الرواية الفلسطينية" ومنعها من الوصول إلى العالم.

وأضاف محاريق أن "المساحات المدنية تقلصت بدرجة كبيرة"، ما أدى إلى حرمان فئات واسعة من التعبير عن آرائها، لاسيما الشباب والنساء، مبينًا أن الفضاء المدني في بعض المناطق – مثل شمال الضفة الغربية – يتعرض لهجمة إسرائيلية شرسة ترتبط بالاستيطان والتهجير وهدم المنازل.

وفي سياق آخر، أشار إلى أن "كلما تراجعت المساحات المدنية، تراجعت ثقة المواطنين بالمؤسسات"، موضحًا أن الشعور بعدم جدوى المشاركة أو ضعف تأثير المؤسسات يولد فقدانًا للثقة العامة، داعيًا إلى ضرورة تعزيز بيئة قانونية تحمي حرية التعبير وحقوق الفئات المجتمعية المختلفة.

تغريد جمعة: الحرب أعادت الاعتبار لدور مؤسسات المجتمع المدني

من جانبها، قالت تغريد جمعة إن أوضاع قطاع غزة "خاصة جدًا ومعقدة"، مشيرة إلى أن الحرب الأخيرة أعادت تسليط الضوء على الدور الحيوي لمؤسسات المجتمع المدني، التي كانت "الأولى في الاستجابة لحاجات الناس، واستقبال النازحين، وتوثيق جرائم الاحتلال".

وأضافت أن مؤسسات المجتمع المدني كانت قبل الحرب تواجه تراجعًا في ثقة الجمهور بسبب مشكلات داخلية مثل غياب الشفافية، وتراجع ثقافة العمل التطوعي، وتسييس بعض المؤسسات، لكنها استعادت حضورها خلال العدوان بفضل أدائها الميداني والإنساني.

وأوضحت جمعة أن "الشباب عادوا إلى الفضاء المدني من خلال الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي"، معتبرة أن نشطاء السوشيال ميديا لعبوا دورًا مركزيًا في توثيق جرائم الاحتلال ونقل الحقيقة إلى العالم، رغم القيود والرقابة.

وفي ما يتعلق بالتمويل الدولي، حذرت جمعة من خطورة التمويل المشروط، الذي قالت إنه "أفقد مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بوصلتها الوطنية"، لأن العديد منها باتت تستجيب لشروط الممولين على حساب أولوياتها الوطنية، وهو ما ساهم في تهميش الأجندة الفلسطينية وتحويل المؤسسات من فاعل وطني إلى منفذ لمشاريع خارجية.

كما شددت على أن الانقسام السياسي عمّق الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تُدار مؤسسات كل منطقة "بقوانين مختلفة ومعايير رقابية غير موحدة"، ما أدى إلى ازدواجية في التنظيم وتقييد أوسع للحريات المدنية.

تيسير نصر الله: الانقسام والقيود المالية يحدّان من دور المؤسسات

أما تيسير نصر الله، فقد أكد أن المجتمع الفلسطيني يعيش "ظروفًا معقدة لا تشبه أي شعب آخر"، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 "سعى لتدمير البنية المدنية الفلسطينية وإعادة المجتمع إلى نقطة الصفر".

وأوضح نصر الله أن مؤسسات المجتمع المدني في الضفة الغربية تواجه "تقييدات إسرائيلية وإدارية كبيرة"، تشمل الاعتقالات، وإغلاق المراكز، ومنع الزيارات الدولية، إضافة إلى قيود مالية صارمة تفرضها البنوك وسلطة النقد على التحويلات والدعم الخارجي، ما يعرقل عمل هذه المؤسسات ويحوّل بعضها إلى جمعيات خيرية إغاثية فقط.

وأشار إلى أن الانقسام السياسي الفلسطيني أدى إلى انكماش الفضاء المدني، حيث باتت بعض المؤسسات تعمل وفق الانتماء الفصائلي لا الوطني، مؤكدًا أن المطلوب هو "إعادة بناء هذا الفضاء على أسس وطنية جامعة تتجاوز الحزبية والمحاصصة".

كما دعا إلى توسيع الحريات الإلكترونية والإعلامية، محذرًا من ملاحقة النشطاء عبر الإنترنت وتقييد الفضاء الرقمي، باعتباره اليوم امتدادًا طبيعيًا للفضاء المدني التقليدي.

وفي ختام حديثه، شدد نصر الله على ضرورة تشكيل شبكات وائتلافات بين مؤسسات المجتمع المدني لتوحيد الجهود والدفاع عن الحريات، قائلاً: "يجب أن يكون الفضاء المدني وطنيًا شاملاً لا فصائليًا ضيقًا. وحده الانفتاح الوطني يحمي المؤسسات من التسييس ويضمن استمراريتها في خدمة الإنسان الفلسطيني".

وأكد الضيوف الثلاثة أن الفضاء المدني الفلسطيني يتعرض لعملية تفكيك ممنهجة نتيجة الاحتلال والانقسام والتمويل المشروط، مشددين على أن إنقاذ هذا الفضاء يتطلب إعادة تعريف دوره الوطني، وضمان حرية التعبير، وتعزيز التعاون بين المؤسسات والمجتمع.

واختُتمت الحلقة برسالة مشتركة مفادها أن "المجتمع المدني الفلسطيني هو طوق النجاة الأخير للحفاظ على تماسك المجتمع وصوته الإنساني"، وأن توسيع المساحات المدنية يعني تعزيز المواطنة والديمقراطية والمشاركة المجتمعية.

تجدر الإشارة إلى أن "قضايا في المواطنة" هو برنامج اجتماعي تُنتجه مؤسسة REFORM ويبث عبر شبكة راية الإعلامية؛ للإسهام في الوصول إلى نظام حكم إدماجي تعددي مستجيب لاحتياجات المواطنين ومستند إلى قيم المواطنة.
فيما يلي الحلقة كاملة: