قانون الضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الخاص الفلسطيني… القانون المجمد والخسارة التي لا تُقدّر بثمن

2025-10-23 10:29:11

منذ عام 2019، دخل قانون الضمان الاجتماعي في حالة تجميد تشبه الغيبوبة المؤسسية؛ ست سنوات من الصمت والركود كانت كفيلة بأن تكلف فلسطين المحتلة مليارات الشواقل وخسائر اجتماعية لا تُعوّض. لم يُجمّد القانون فقط، بل جُمّد معه حلم الحماية الاجتماعية، والعدالة للعاملين والعاملات في القطاع الخاص داخل الوطن المحتل.

🔻 أولاً: التعريف بقانون الضمان الاجتماعي وأهدافه كما ورد في معايير منظمة العمل الدولية

قانون الضمان الاجتماعي هو منظومة حماية وطنية تُلزم أصحاب العمل بالمساهمة في صندوق مشترك يضمن للعاملين والعاملات:
 • راتب تقاعدي كريم بعد نهاية الخدمة.
 • تعويض عادل عن إصابات العمل والعجز والوفاة.
 • منحة أمومة وإجازة مدفوعة للنساء العاملات.
 • دعم للأسر والمعالين في حالات الوفاة أو العجز.
 • تعويض بطالة مؤقت للشباب المسرّحين أو الباحثين عن عمل.

ووفقًا لمنظمة العمل الدولية (ILO)، الضمان الاجتماعي هو ركيزة العدالة الاجتماعية وأحد أعمدة الكرامة الإنسانية، وهو مبدأ أساسي في كل مجتمع يسعى للاستقرار والتنمية المتوازنة.
(راجع: مشروع منظمة العمل الدولية حول “إرساء نظام الضمان الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص وأفراد أسرهم في فلسطين”

⚙️ ثانياً: الخسائر الوطنية بعد ست سنوات من التجميد
 1. ضياع الحقوق التقاعدية
أكثر من 600 ألف عامل في القطاع الخاص حُرموا من تراكم حقوقهم التقاعدية، ما يعني فقدانهم ضمان الحياة الكريمة بعد سنوات الخدمة.
 2. انعدام الحماية في الأزمات
خلال جائحة كورونا والانكماش الاقتصادي، لم يجد العامل الفلسطيني جهة تحميه ولو كان القانون فُعّل، لكان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد وفر شبكة أمان تحمي العمال من البطالة والفقر.
 3. النساء أكثر المتضررين
القانون كان سيمنح النساء العاملات حماية من الفصل، وإجازة أمومة مدفوعة، وتأميناً اجتماعياً متساوياً. غيابه جعل المرأة الفلسطينية رهينة سوق عمل غير عادل.
 4. خسارة المليارات من داخل الخط الأخضر
آلاف العمال الفلسطينيين الذين عملوا في إسرائيل يدفع عنهم أصحاب العمل الإسرائيليون اشتراكات في “التأمين الوطني الإسرائيلي”، جزء منها حقوق قانونية مستحقة للفلسطينيين.
هذه المبالغ، والتي تُقدّر بمليارات الشواقل، بقيت مجمّدة وغير مُستردّة لغياب كيان فلسطيني رسمي قادر على المطالبة بها — وهي أكبر خسارة مالية مباشرة ناتجة عن تعطيل القانون.
 5. انعدام صندوق بطالة للشباب
عشرات آلاف الشباب العاطلين عن العمل حُرموا من حقهم في تعويض بطالة مؤقت يساعدهم على الانتقال بين الفرص.
 6. انهيار الثقة بين المواطن والدولة
تجميد القانون ولّد إحساسًا بأن الدولة تخلت عن التزاماتها الاجتماعية، ففقد المواطن الإيمان بجدوى أي إصلاح أو مشروع وطني جامع.

7. رغم أن قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني صدر ليغطي جميع العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة،
إلا أن تطبيقه العملي اقتصر على الضفة الغربية فقط،
بينما القدس الشرقية تخضع لمنظومة “التأمين الوطني الإسرائيلي”، وقطاع غزة ظل خارج أي غطاء تأميني بسبب الانقسام السياسي وتعطّل المؤسسات الرسمية هناك.

هذا الواقع جعل من الضمان الاجتماعي مشروعًا ناقص السيادة ومبتور الجغرافيا، فلا حماية موحّدة للعامل الفلسطيني أينما وُجد، ولا عدالة في توزيع الأمان الاجتماعي بين أبناء الشعب الواحد.

وفي الوقت الذي يتمتع فيه العامل المقدسي أو العامل داخل الخط الأخضر بتأمين اجتماعي كامل (بموجب القانون الإسرائيلي)، يبقى العامل في غزة بلا أي حماية،
ويعمل نظيره في الضفة الغربية في فراغ قانوني بعد تجميد القانون الفلسطيني عام 2019

⚖️ ثالثاً: المقارنة الصارخة — العامل الفلسطيني مقابل العامل الإسرائيلي

في إسرائيل، العامل مؤمَّن ضد البطالة والإصابة والعجز والأمومة والشيخوخة اما في فلسطين، العامل يخرج من عمله بلا ضمان ولا معاش تقاعدي ، والمرأة تُفصل إن تزوجت وان حملت، والمصاب يُترك لمصيره.
الفرق ليس في الإمكانات، بل في العقلية السياساتبة فإسرائيل تعتبر الإنسان رأس مال اجتماعي، أما نحن فنتعامل معه كعبء مالي مؤجل.

🧭 رابعاً: الأسباب العميقة للتجميد
 • تسييس الملف بدل تطويره فنياً.
 • خوف السلطة التنفيذية من الشارع بعد احتجاجات 2018، بدل تصحيح الثغرات.
 • غياب الإرادة النقابية وضمور المجتمع المدني.
 • هيمنة منطق “المرحلة الانتقالية” الدائمة: لا دولة كاملة، ولا نظام حماية حقيقي.

💡 خامساً: الطريق إلى الإصلاح
 1. إعادة فتح ملف القانون فوراً ضمن حوار وطني ثلاثي (حكومة – نقابات – قطاع خاص).
 2. تأسيس وحدة وطنية لتحصيل حقوق العمال في إسرائيل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية وربما البنك الدولي.
 3. إقرار منحة الأمومة وصندوق البطالة للشباب كمرحلة انتقالية.
 4. نشر تقارير مالية شفافة دورية لإعادة الثقة بين المواطن والمؤسسة.
 5. تعزيز العدالة الجندرية والاجتماعية وربطها بالتنمية الاقتصادية المستدامة.

🕯️ سادساً: الدرس الأخلاقي والسياسي

تجميد قانون الضمان الاجتماعي لم يكن قراراً بيروقراطياً، بل فشلاً في صون العقد الاجتماعي لان دولة لا تضمن للعامل معاشه ولا للمرأة حقها في تأمينات الأمومة، ولا للشباب حقهم في تأمينات البطالة، تفقد شرعيتها الإنسانية قبل شرعيتها السياسية.

الضمان الاجتماعي ليس ترفاً، بل مرآة لكرامة الأمة.
وحين تنهار هذه المرآة، تتشظى صورة الوطن نفسه.