"أقل الكلام" ساركوزي.. سجينًا

2025-10-22 19:39:53

في سابقةٍ هي الأُولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، يودَع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي السجن، بعد ثبوت تهمة تلقيه أموالًا ليبية لتمويل حملته الانتخابية، وهي التهمة التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الفرنسية، التي كشفت تحقيقاتُها الاستقصائية في العام ٢٠١٢ خيوط تلك العلاقة، التي وجد فيها القضاء الفرنسي ما يوجب المساءلة والسجن عقب ثبوت التهمة بعد سنواتٍ من التحقيقات.

في مذكراته "سنواتي مذكراتي" يقول وزير الخارجية الليبي الأسبق عبد الرحمن شلقم إن قصة العلاقة التي ربطت القذافي بساركوزي، وقادت الأول إلى الإعدام، والثاني إلى السجن، تعود إلى فترة تولي ساركوزي وزارة الداخلية، وتعززت العلاقة بينهما في العام ٢٠٠٧، حين أصبح ساركوزي سادس رئيس للجمهورية الخامسة، حيث دعا القذافي لزيارة باريس، وإلقاء خطاب أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، لكن المفاجأة كانت عندما نشر وزير الخارجية الفرنسي آنذاك برنارد كوشنر مقالًا في صحيفة "لاكروا" الفرنسية غداة الزيارة، شنّ فيه هجومًا على القذافي كاد يتسبّب بقطع زيارته.

ويقول شلقم إن الوفد الليبي فوجئ بالرئيس الفرنسي، خلال اجتماعٍ مشتركٍ للوفدين، يقرأ مشروع اتفاقيةٍ عسكريةٍ تشتري بموجبها ليبيا ١٢ طائرة "رافال"، ما أحدث جلبة بين الوفد الليبي الذي لم يكن لديه علمٌ بالصفقة، ولم تكن مدرجةً على جدول الزيارة، واشتعل نقاشٌ بين ساركوزي وشلقم الذي قال له إن هذا الموضوع لم يناقَش في طرابلس، وإن مسؤول المشتريات في الجيش الليبي الذي كان حاضرًا لم يكن على علمٍ بالصفقة، فيما ظل العقيد معتصمًا بالصمت. ويضيف شلقم أنه أُخضع للتحقيق عقب عودته إلى ليبيا بتهمة مناكفة ساركوزي بحضور الأخ القائد.

بقيت الإجابة عن سؤال شلقم معلقةً حول "مَن ذا الذي كان وراء فكرة الصفقة؟"، مع إشارته إلى أن العلاقة بين ساركوزي والقذافي ظلت محصورةً ضمن دائرةٍ مغلقةٍ لا علم للخارجية بها، لكنه أكد أن الأموال التي دفعها القذافي لتمويل حملة ساركوزي صحيحة بشهادة كلٍّ من: عبد الله السنوسي، وسيف الإسلام القذافي، 

ورجل الأعمال الفرنسي من أصلٍ لبناني زياد تقي الدين، الذي أكد قيامه بنقل شحناتٍ من اليوروهات من طرابلس إلى أحد معاوني ساركوزي.

لعنة القذافي لاحقت ساركوزي، ولو بعد حين، فهو المحرض الأول على التدخل الدولي في ليبيا، وما ترتب عليه من عملية سحلٍ وإعدامٍ للزعيم، لينطبق عليه قول الشاعر الفرزدق:

وكان يُجيرُ الناسَ من سيفِ مالكٍ

فأصبحَ يبغي نفسَه مَن يُجيرها

فكان كعنز السّوءِ قامت بظِلفها

إلى مُديةٍ وسط التراب تُثيرها