مروان البرغوثي.. "النحيل" الذي أصبح رمز النضال الفلسطيني

2025-10-21 12:26:39

تروي سيرة القائد الفتحاوي مروان البرغوثي في شبابه بدايات انطلاق التنظيم الشعبي لحركة فتح في داخل فلسطين، وتعامل إسرائيل معه

في منتصف أغسطس 2025 بُثَّ مقطع فيديو قصيرٌ يظهر فيه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مهدِّداً القائدَ الفلسطيني مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والقائد الأبرز لانتفاضة الأقصى سنة 2000، في زنزانته في سجن "غانوت". يُظهر المقطع المُجتزأ البرغوثيَّ، المعتقَلَ منذ سنة 2002، والمحكومَ بخمسة مؤبّداتٍ (أي مئةٍ وخمسةٍ وعشرين عاماً) وأربعين عاماً إضافيةً من المحاكم الإسرائيلية، ضعيفَ الجسد يعاني وضعاً صحّياً سيّئاً، في حين يهدّده بن غفير بقوله "من يعبث مع شعب إسرائيل، ومن قتل نساءنا وأولادنا، سنمحوه"، دون أن يَعرض ردَّ مروان البرغوثي.

لم يكن التهديد بالمحو جديداً على مروان البرغوثي، إذ جرَّبه صغيراً عندما قتل جيش الاحتلال كلبَه الصغير. ثم جرَّبه شاباً، حسب ما أورد في كتابه "ألف يومٍ في زنزانة العزل الانفرادي" المنشور سنة 2011، عندما ضربه المحققون على أعضائه التناسلية بعد اعتقاله في السبعينيات ومطلع الثمانينيات بغرض "محو نسله". توازى في حياة مروان البرغوثي هذا التهديد الشخصي بتهديد الشعب الفلسطيني عامّة.

تطورت حياة البرغوثي من هذين الخطين المتداخلين. الخط الشخصي الذي تختلط فيه المعاناة والسعي للخلاص من الفقر والعوز والمكابدة للحصول على فرص التعليم. والخط العامّ المتمثل في الاندماج في الحركة الوطنية الفلسطينية.

تظهر سيرة مروان البرغوثي وسيرة قريته كوبر، شمال غرب رام الله، طبيعة التحولات السياسية داخل الضفة الغربية في فلسطين خاصة. وتبرز صعود حركة فتح في السبعينيات والثمانينيات، مقابل تراجع القوى اليسارية، وخصوصاً الشيوعية والناصرية.

سمعتُ اسم مروان البرغوثي أوّل مرّةٍ عندما كنتُ طالباً في المدرسة في العاصمة الأردنية عمّان. اعتدتُ حينها تصفح الصحف اليومية التي يجلبها والدي موظف البنك. وذات يومٍ في مايو سنة 1987، وقعت عيناي في صحيفة الرأي، كبرى الصحف الأردنية، على خبرٍ صغيرٍ في منتصف الصفحة يشير إلى إبعاد القوات الإسرائيلية رئيسَ مجلس طلبة جامعة بيرزيت، مروان البرغوثي.

لم يختفِ مروان البرغوثي وأخباره وكتاباته التي قرأتها عن حياته. وحين عدتُ لاحقاً للإقامة في فلسطين والتدريس في جامعة بيرزيت سنة 2012، واصلتُ الاستماع لشهاداتٍ عنه، والتعرف إلى عائلته، وصرتُ زائراً دائماً لقريته.

في سنة 2017 قاد مروان البرغوثي مع آخرين إضراباً عن الطعام في سجون إسرائيل بهدف تحسين ظروف المعتقل. انتشرت فعاليات التضامن الشعبية مع الأسرى، وخرجت مسيرةٌ في قرية كوبر مسقط رأسه، التي تسمى في القاموس الوطني الفلسطيني "منطقة الشهيد أبو مخلص". شاركتُ فيها، ولفتني أنّ الصغار الذين يهتفون لمروان البرغوثي يهتفون أيضاً لأبي مخلص، توفيق البرغوثي، الذي توفي سنة 1994 دون أن يعرفوا شيئاً عن سيرته.

قررتُ وقتها إعداد عملٍ مفصّلٍ عن سيرة مروان البرغوثي وقريته كوبر، لاعتقادي أن الكتابة عن مروان البرغوثي توثيقٌ لمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته. بدأتُ سلسلة مقابلاتٍ وتسجيلاتٍ مع عائلة مروان وأصدقائه ورفاق دربه، فزُرتهم في بيوتهم أحياناً، واستقبلتُهم في شقّتِي في رام الله في لقاءاتٍ رمضانيةٍ في أحيانٍ أخرى. هذه المقابلات وبعض كتابات مروان هي أساس هذا المقال الذي ينتهي عند إبعاد مروان البرغوثي من فلسطين سنة 1987.

وُلد مروان البرغوثي لأسرةٍ فقيرة. فمع انتشار أبناء عائلته الكبيرة "البرغوثي" في فلسطين، وذيوع صيتهم ونجاحهم في مجالات الحياة المختلفة، كان حسيب، والد مروان، يرى نفسه كما ينقل أبناؤه "فلاحاً بدون أرضٍ وعاملاً بدون صحّة". عمل الأبُ في "كسّارات الحجر" وعاش مع زوجته ووالدته وابنيه عاطف وهشام، في غرفةٍ صغيرةٍ مستأجَرةٍ في فناء بيت عائلةٍ أخرى في منطقةٍ تسمى "الوليّ" (أو مقام الشيخ صالح). وانتقلت العائلة لغرفةٍ أكبر في المنطقة ذاتها قبل ولادة عصام ثم ولادة مروان البرغوثي يوم 6 يونيو 1959. عمل الأب ساعاتٍ طويلةً يومياً مقابل أجرةٍ لم تتجاوز ثلاثين قرشاً في اليوم (أقلّ من دولار واحد آنذاك).

حاول الأب انتشال الأسرة من الفقر. فحزم أمره وقرّر أن يترك عاطفٌ المدرسةَ وهو في عمر الرابعة عشرة، ويصحبه للعمل في بيروت. ركبا سيارات الأجرة وغادرا يوم 15 مارس 1964 بعد أن استدان مبلغاً للسفر. وفي بيروت عمل عاطف صبياً في دكانةٍ براتبٍ شهريٍّ يساوي أربعةً وعشرين دولاراً، بينما عمل الأب في بيروت حارسَ بنايةٍ براتبٍ يساوي ستةً وثلاثين دولاراً. وفي سنة 1965 وضع حسيب بين يدي شقيقه ما يعادل ستمئة دولارٍ، وقال له: "ابنِ لنا بيتاً"، وعاد لعمله. أرادت الأمّ بيتاً وسط الناس لكن العمّ بناه في منطقةٍ منعزلةٍ، أقرب لبيرزيت ورام الله.

انتقلت العائلة للبيت مطلع سنة 1967. قرّر عاطف العمل في عمّان، وبقي الأب في بيروت، ثم وقعت حرب 1967 وأصبحت العائلة تحت الاحتلال.

افتتحت إسرائيل عداوتها الممتدة لمروان البرغوثي باستهداف كلبه. في مطلع السبعينيات رعى الطفل مروان مع شقيقه هشام كلباً صغيراً، وتعلّقا به حتى صار وجوده أصيلاً في كلّ أنشطتهما. إذا تشاجرا مع أقرانهما من الأطفال حَرَسَهما. وإذا خرجا رافَقَهما وانتظرهما خارج المكان الذي قصداه. وفي المنزل يُعتمَد عليه في الحراسة من اللصوص والمتطفلين في قريةٍ لا كهرباء فيها. وإذا أقبل جنود الجيش الإسرائيلي نبح، فأنذر نباحه القوم. لاحظ الجنود ذلك فهجموا ذات ليلةٍ وقتلوا الكلب. حزن مروان لموت أوّل صديق. وحمله وابنة عمّه التي كانت في عمره ودفناه في حفرةٍ، وبقيت ذكراه.

بدأ الوعي بما يسمّى فلسطينياً "العمل الفدائي" يتشكل لدى مروان البرغوثي ، بتأثير مَن حوله. في سنة 1974 عاد شقيقه عاطف إلى فلسطين ومعه توفيق البرغوثي الذي عُرف لاحقاً بكنية "أبو مخلص"، بعد أن أنهيا التجنيد الإجباري في الجيش الأردني، لينضمّا للفصائل الفلسطينية.
في ذلك العام وأثناء سهرات الصيف مع أبي مخلص وعاطف، سمع مروان بأخبار الفدائيين. أخبر أبو مخلص الشبّانَ عن تفاصيل الحياة الفدائية.

كان مروان البرغوثي بعيداً عن هذا العالم. إذ لم تكن حركة فتح قد طوّرت إستراتيجية عملٍ داخل فلسطين. بل كانت الحركة التي تأسست وانطلقت في الشتات (خارج فلسطين) في مرحلة صدمة الخروج من الأردن سنتَيْ 1970 و 1971، عقب الصدام مع السلطات الأردنية فيما عُرف بأحداث أيلول. ثم صدمة اغتيال قادتها، ومنهم مسؤول العمل في الأرض المحتلة كمال عدوان في إبريل 1973، مع القائدين أبو يوسف النجار وكمال ناصر، في عمليةٍ نفذها الموساد والجيش الإسرائيلي في بيروت.

شهد قطاع غزة، الذي جاء منه أبرز مؤسسي حركة فتح مثل خليل الوزير وكمال عدوان، غلبة حضور الإخوان المسلمين. وهي الجماعة التي انتمى إليها غالبية مؤسسي فتح في القطاع قبل انفصالهم وتأسيس حركتهم. أما الضفة الغربية فكان الشيوعيون القوةَ السياسية الغالبة فيها. وقد أحاط الشيوعيون بمروان وكانوا قريبين منه حتى سُمِّيت كوبر، قرية مروان البرغوثي، "موسكو الصغرى" لكثرة الماركسيين فيها.

وكانت للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر مكانةٌ خاصةٌ عند أهالي كوبر، بدلالة انتشار صوره في بيوتهم، ومنها بيت عائلة مروان البرغوثي . ويُعتقد أنّ أوّل خطابٍ جماهيريٍّ ألقاه مروان البرغوثي منتصف السبعينيات في المدرسة كان في ذكرى وفاة عبد الناصر.

زادت حرب سنة 1973 الاهتمامَ الشعبي بالعمل السياسي. وتأسس في كوبر نادٍ رياضيٌّ ثقافيٌّ فنّيٌّ، هو "نادي شباب كوبر" الذي خَلَق وعياً جديداً قبل أن تغلقه إسرائيل.

يحكي رائد البرغوثي، أبو شرار، عن صديق عمره مروان أنه لم يكن ميسوراً في طفولته وشبابه. وانضمّ للقوى العمّالية في أيّ فرصة عملٍ، فعمل في ورش البناء وفي مطعمٍ في القدس. يتذكر شقيق مروان، مقبل، أنّ سيدةً مسنّةً تقطن قريباً من بيت مروان كانت تزودهم بزيت الزيتون والخبز أحياناً. حفظ مروان البرغوثي جميلَها، فكان إثر عودته بعد اتفاق أوسلو يسرع لتحيّتها في المناسبات والأعياد، بعد والدته.

انتقل مروان البرغوثي وصديقاه رائد وعبد الكريم من مدرسة كوبر الصغيرة إلى مدرسة الأمير حسن في بيرزيت، المدرسة المركزية في المنطقة. تبعد المدرسة عن قريتهم خمسة كيلومترات. وكان عليهم التنقل سيراً على الأقدام صيفاً وشتاءً، إذ كان الثلاثة يفتقرون لأجرة المواصلات بل حتى للملابس المناسبة.

لكن مع منتصف السبعينيات بدأ وضع العائلة في التحسن عندما انتهى هشام من دراسة المرحلة الثانوية، وقصد عمّان سنة 1976 للعمل في فندق الأردن (إنتركونتننتال) أهمّ فنادق العاصمة الأردنية. وبعد أن قضى عاماً ونصف تقريباً هناك، عرض عليه أحد نزلاء الفندق السعوديين أن يعمل محاسباً في شركته في السعودية. قَبِلَ هشامٌ العرضَ، وبدأت أوضاع الأسرة في التحسن، خصوصاً وأن عصاماً أصبح يعمل في عمّان أيضاً.

عُرفت مدرسة الأمير حسن بمبادراتِها ونشاطِها السياسي، وجمعِها أبناء القرى المختلفة، وتنوّعِها الديني وتكاملها مع جامعة بيرزيت الناشئة، ليتشكل في القرية مجتمعٌ مميزٌ اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. ومع التحسن الطفيف في الوضع المعيشي قرّر مروان البرغوثي وأصدقاؤه، خصوصاً عبد الكريم ورائد البرغوثي، تأسيس مقهىً بدائيٍّ في "سقيفة". ثم افتتحوا مكتبةً في بيتٍ قديمٍ مهجورٍ لعائلة عبد الكريم تبرّع الأهالي ببعض كتبها. ثم أطلقوا مجلةً اسمها "النهضة"، نسخوها بخطّ اليد وسهروا الليالي في الكتابة واستخدام ورق الكربون لتكرار النُسَخ. وزّعوا من المجلة نحو أربعين نسخةً، وبيعت في مدرسة الأمير حسن بمبلغٍ رمزيٍ على أن يعاد العدد بعد قراءته ليطرح مجدداً للبيع. وشجّع شباب الحزب الشيوعي هذه الظاهرةَ بقروشٍ ومبالغ تكفي لشراء الأوراق والكربون.

في ذلك الوقت المبكر هاجمت المجلة مؤيدي الهيئات التي تخالف منظمةَ التحرير الفلسطينية، مثل مؤيدي النظام في الأردن. وانتقدت مجموعةً من شباب القرية حاولوا إبقاء خطوط الاتصال مع الحكومة الأردنية، فهجم هؤلاء الشباب على المكتبة وخربوها. ظلّت المجلة تناقش قضايا محليةً خلافيةً في القرية، فضلاً عن موادّ الثقافة العامّة السياسية، وهو ما زاد معارضتَها وقصر توزيعها على المدرسة.

هذه المبادرات الثقافية والسياسية فتحت باب انتماء القائمين عليها لقوةٍ سياسيةٍ منظمة. وفي النصف الثاني من السبعينيات تركز العمل الوطني خارج فلسطين، ولم يكن لفتح، الحركة الأكبر والأكثر شعبيةً حينئذٍ، نشاطٌ جماهيريٌّ واسعٌ في الداخل. بل اضطرّ من أراد الانضمام إليها للسفر إلى سوريا أو لبنان. في المقابل استقطب الحزب الشيوعي الأردني الشبابَ عبر لجان العمل التطوعي، وعبر توفير فرص الدراسة في الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي. نظّم الحزب جلساتٍ تثقيفيةً في الفكر الماركسي والمواقف السياسية. وكان موقع جامعة بيرزيت الحاليّ (الفارغ حينئذٍ إلا من الشجر) مكاناً معتاداً لهذه اللقاءات. وانضمّ الأصدقاء الثلاثة للشيوعيين، وإن كان انضماماً متردداً، لأسبابٍ أهمّها موقف الحزب غير المنخرط في الكفاح المسلّح. لكن الأصدقاء أصبحوا يحضرون لقاءاتٍ حزبيةً، ويقرؤون منشورات الحزب.

بحث مروان البرغوثي عن عملٍ في القرى والمدن المحيطة. وفي إحدى المرات، أثناء سيره في الشارع بعد أن عاد خائباً من البحث عن عملٍ في قرية دير دبوان شرق رام الله، يرافقه صديقه عبد الكريم، تخيّل نفسَه يخطب في الجماهير ضدّ زيارةِ الساداتِ القدسَ. وتخيّل أنّه في سينما الجميل في رام الله يخاطب الجماهير. واستمر في خطابه بصوتٍ عالٍ أثناء المشي مع عبد الكريم في الشارع الفارغ نحو نصف ساعة.

تشكلت في كوبر في سنة 1977 تقريباً لجنة عملٍ تطوعيٍّ شارك بها أكثر من ثلاثين شاباً، وكان مروان البرغوثي عضواً في اللجنة الإدارية. ذهب للمسجد وخطب في المصلّين بعد الصلاة يدعوهم للتطوع. فبنوا سوراً للمقبرة، ونظفوا الشوارع، وشاركوا في حصاد القمح، أو مساعدةٍ بأعمال بناءٍ تخصّ بعض عائلات الأسرى من أبناء القرية.

صارت المخابرات الإسرائيلية تستدعي طلاب مدرسة الأمير حسن للتحقيق. اعتيد استدعاؤهم في السادسة مساءً إلى منتصف الليل، ثم صرفهم. وفي بعض الأحيان استُدعي صفٌّ كاملٌ مع أولياء أمورهم. قضى مروان لياليَ طويلةً واقفاً في العراء تحت المطر أمام مبنى المخابرات الإسرائيلية بأمرٍ من ضباط المخابرات ومراقبتهم. وربما تحايل هو وعبد الكريم أحياناً على التعليمات بادعائهما أن ضابطاً لا يعرفان اسمه طلب منهما تغيير مكانهما إلى حيث يوجد سقفٌ يحميهما المطر.

وقبل أن تنضج تجربة بناء التنظيم الفتحاوي الشعبي في الضفة الغربية، قرّر مروان البرغوثي ورائد وعبد الكريم البرغوثي تشكيل مجموعةٍ للمقاومة. لم تنتمِ المجموعة لأيّ فصيل. وحاولوا تصنيع متفجراتٍ شعبيةٍ بدائيةٍ معروفةٍ بِاسم "أكواع" (والكوع لفظةٌ دارجةٌ لوصف القطع التي تصل أنابيب المياه ببعضها في الزوايا). استغلّ عبد الكريم ما تعلّمه في مادة الفيزياء لصنع متفجراتٍ من موادّ متاحةٍ، وخاض عدّة تجارب في العراء.

ربما لو كان التنظيم الجماهيري الفتحاوي قد ظهر حينئذٍ لتغيرت خياراتهم. كانت كوبر تبتعد تدريجياً عن الشيوعية. وكان العامل الأساسي في الابتعاد صعود تأييد الكفاح المسلح الذي قادته حركة فتح. بدأ شباب القرية ينتمون لفتح، وسافر بعضهم إلى لبنان سرّاً وتلقّى تدريباتٍ عسكريةً وعاد. نفّذ شبابٌ، منهم الشقيقان نائل وعمر البرغوثي وابن عمهما فخري البرغوثي وآخرون من القرية، عدّة عملياتٍ فدائيةً بين سنتَيْ 1977 و1978. كانت العمليات بتفجير عبواتٍ صغيرةٍ ناسفةٍ أو بوضع عبواتٍ وهميةٍ فارغةٍ في أماكن ترهِب المستوطنين والجيش الإسرائيلي وتربكهم. أصبح الثلاثة لاحقاً من رموز العمل النضالي والحركة، وإن انتقل نائل وعمر بعد ذلك للتيار الإسلامي واقتربا من حركة "حماس"، ما يظهر تحولاً لاحقاً حدث في التسعينيات في القرية.

استهدفت عمليةٌ فدائيةٌ لهذه المجموعة سائقَ حافلةٍ إسرائيلياً من مستوطنة حلميش القريبة بالسكاكين، سنة 1978. وضعت العملية قريةَ كوبر تحت المجهر. فاعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو أربعين شخصاً تقريباً من القرية، اشتبهت بدورهم في العملية، ومن ضمنهم مروان البرغوثي وأعضاء مجموعته. كان مروان قد اشترى بنطالاً جديداً بُنّيَّ اللون. ومع بدء حملة الاعتقالات، ولشعور والدته بقرب الوصول إليه، أصرّت عليه أن يرتدي بنطاله القديم ويترك الجديد ليكون في حالةٍ جيدةٍ عند خروجه من السجن، ففعل واعتُقل بالقديم.

حاول المحققون ربط مجموعة الأصدقاء الثلاثة بالمجموعة منفّذة العملية التي اكتُشِفت في التحقيق. تجارب التفجير التي اختبرها مروان البرغوثي ورفاقه فضحتهم أمام الأهالي بسبب الصوت العالي، فعلم بها جاسوسٌ محليّ. وبأساليب الضغط والخداع اعترفت المجموعة بتجربة المتفجرات لغرض المقاومة، ولكنها نفت بشدّةٍ ارتباطها بأيّ تنظيم.

حُكم على مروان البرغوثي ورائد بالسجن أربعة أعوامٍ وعلى عبد الكريم بسبعة. فرض النظام الداخلي الذي وضعه الأسرى في السجون الإسرائيلية على كلّ أسيرٍ أن يختار تنظيماً ينضمّ له في المعتقل. اختار مروان ورائد فتح، واختار عبد الكريم الجبهة الديمقراطية.

في المعتقل طلب الأسرى من مروان البرغوثي الاشتراك بالتحقيق مع شخصٍ اشتُبِه بأنّه جاسوسٌ مدسوسٌ بينهم. فاشترك مروان في التحقيق وحكم بعقوبةٍ على هذا الجاسوس. أضاف هذا للائحة اتهام مروان تهمةً جديدةً، زادت حكم سجنه ستّة أشهرٍ أخرى، ليمكث مروان حتى يناير 1983.

كان السجن فرصةً ومرحلةً لتطوير التفكير والتنظيم. أُودِع مروان البرغوثي سجن طولكرم المخصص للقادة الخطرين، فيما سُجن زميلاه في سجونٍ أخرى. وبحسب الأسير المحرَّر جمال منصور، كان مروان ضئيلَ البنية وأصغرَ الأسرى سنّاً. وُجِّه مروان في بداية الحبس لقراءة أدبيات حركة فتح. سرعان ما لاحظ الأسرى الأكبر سنّاً تميّزه وجدّيته وإقباله على التعلم. أما هو فوَصَف زملاءه من الأسرى بالعمالقة، في حديثٍ مع منصور. إذ لاحظ طول قاماتهم وضخامة أجسادهم، وكذلك عمق ثقافتهم وبطولاتهم. وبعد خروجه تحدّث مع زوجته فدوى البرغوثي قائلاً: "وجدتُ أمامي في السجن عمالقة".

واظب مقبل على زيارة شقيقه مروان كلّ أسبوعين. وصارت هذه الزيارات جزءاً من التواصل بين الأسرى قادة العمل النضالي والشباب في الخارج. كان التنظيم الفتحاوي الجماهيري يتطور سريعاً. وتعاظم دور توفيق البرغوثي (أبو مخلص) حارس الأمن في بيرزيت، في التجنيد والحشد لحركة فتح في قرية كوبر. ومثلما كان له أثرٌ في جذب مروان البرغوثي لفكرة العمل الفدائي، كان له دورٌ في جذب آخَرين وتجنيدهم لفتح.

يتذكر أستاذ الأحياء في جامعة بيرزيت جميل أبو سعدة أنّه لم يكن هناك منتمون كثرٌ لحركة فتح في الجامعة. انتظم هو في الحركة مطلع السبعينيات ونفذ عمليةً عسكريةً سنة 1972، ثم درس في الجامعة الأردنية. عاد بعدها لعملٍ فدائيٍ مسلّحٍ، ليعتقَل ويسجَن أربعة أعوامٍ، ثم يخرج ممنوعاً من السفر ويدخل بيرزيت سنة 1977. كان أبو مخلص ممن تعاون معهم أبو سعدة، الذي يوضح كيف أعطت عملية كمال عدوان، المعروفة بعملية الساحل سنة 1978، دافعاً معنوياً كبيراً لشباب فتح في بيرزيت، إذ كانوا أقليةً مقارنةً باليسار. تلك العملية نفّذتها حركة "فتح" في مارس 1978 بتسلّل مجموعةٍ فدائيةٍ عبر البحر، ومن ضمنهم فتاةٌ اسمها دلال المغربي تحوّلت إلى أيقونةٍ نضاليةٍ، وصارت العملية تُعرَف بِاسمها أحياناً.

فتشكلت، في تلك الأجواء، كتلةٌ تتبع فتح بِاسم "البناء والتقدّم" سنة 1978 أو 1979، ثم انطلقت فكرة تأسيس "لجان العمل الاجتماعي" لتكون بمثابة الذراع الفتحاوي بموازاة لجان الحزب الشيوعي، وستُعرَف لاحقاً بكلمةٍ واحدةٍ هي "الشبيبة".

تواصل مروان وهو في السجن مع التشكيلات الناشئة في بيرزيت. ونقل مقبل "كبسولات" (أي رسائل ملفوفةً بدقّةٍ وصغر) من السجن. فيما يحمل هو وغيره من الزوّار كتباً وطعاماً ويدفعون مبلغاً من المال إلى "كانتين" (مكان الطعام) السجن ليشتري الأسرى ما يحتاجونه من هناك.

حمل مقبل الرسائلَ من مروان البرغوثي في السجن وإليه. بعض الرسائل كانت مع قيادة حركة الشبيبة الطلابية الناشئة أو التي كانت تنشأ آنذاك ذراعاً جماهيرياً لحركة فتح. وممن يتذكر مقبل نقل الرسائل له خاصةً، الطالب في جامعة بيرزيت حينئذٍ، مفيد عبد ربّه. ولكن الاتجاه الثاني كان رسائل من مروان لفتاةٍ أحبّها.

حاول مروان البرغوثي وجيله والشعب الفلسطيني، رغم سجنه، السيرَ في خطّين متوازيين، النضال والمقاومة وتكوين حياةٍ طبيعية. لذلك كان جزءٌ من رسائله للخارج موجّهاً إلى فدوى البرغوثي، ابنة قريته التي تشاركه الجدّ الرابع أو الخامس وتصغره بنحو خمسة أعوام. انجذب مروان لفدوى وهو ابن ثمانية عشر عاماً وهي في المدرسة. ومن المعتقل أرسل إليها مؤكداً اهتمامه بها ورغبته الارتباط بها، وقلقه أن ترتبط بغيره وهو في السجن.

مع بلوغها الثامنة عشرة وإنهائها الثانوية قصد الخُطّاب بيت فدوى، فطلب مروان من أهله وهو في المعتقل خطبتها له. وكانت فدوى أيضاً قد اقتربت من حركة فتح، وكان لأبي مخلص ودوره في تكوين إطارٍ جماهيريٍّ للحركة دورٌ في جذبها.

تردّد أهل فدوى في قبول الزواج قبل أن يباركوه. حاول أبوها إقناعها بأنّ مروان، مع حصوله على الثانوية في السجن، ليس جامعياً وليس له بيتٌ أو مهنةٌ، وأنّه بدأ درباً قد يعود به للسجن مراراً. وأصرّت فدوى أنّ هذه الاعتبارات، خصوصاً الشهادة والبيت، ليست جوهرية. وطلب منها شقيقها الأكبر أن تقرّر بوضوحٍ وتتحمل المسؤولية، مع استعداده لدعم قرارها. ثم قال الأب إنها صاحبة القرار، وأنّه الآن يحذّرها، لكن إذا أخذت القرار وارتبطت به، فلن يقبل أيّ قرارٍ بالتراجع، وسيكون عليها تحمّل المسؤولية. وفعلاً قُرئت الفاتحة، إشارةً إلى الاتفاق المبدئي بين العائلتين كما درجت العادة لدى معظم العائلات المسلمة في العالم العربي.

خرج رائد من المعتقل منتصف سنة 1982. وبعده بستّة أشهرٍ خرج مروان البرغوثي، في يناير 1983. كان الاثنان قد أنهيا الثانوية العامة في سنوات الاعتقال. وكان أبو مخلص يقود لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي التي كانت تتوسع باكتساح.

ذهب رائد إلى جامعة البوليتكنك في الخليل، وأصبح في قيادة حركة الشبيبة. بينما ذهب مروان البرغوثي  لبيرزيت ليصبح قيادياً في الشبيبة ثم رئيساً لمجلس الطلبة ثلاثة أعوامٍ متتاليةٍ، وهو أمرٌ لم يتكرّر في تاريخ الجامعة.

ساهمت الشبيبة في مواجهة إسرائيل وإيجاد تنظيمٍ شعبيٍ واسعٍ، وكذلك في محاصرة الانشقاق. فمع سنة 1983 حدث انشقاقٌ في حركة فتح في لبنان وسوريا، بدعمٍ من النظامين السوري والليبي. انحاز جزءٌ كبيرٌ من التيار اليساري داخل فتح للانشقاق. وتصدّت له الشبيبة، بقيادةٍ فيها مروان ورائد، باستخدام العنف أحياناً. فكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منتصف الثمانينيات ترغب بإعطاء فرصةٍ للمنشقّين لإلقاء كلمةٍ في الاحتفال المركزي السنوي للجبهة. اقتحمت الشبيبة بيوت المنشقّين وهدّدتهم ومنعتهم من إلقاء كلماتٍ أو الظهور. وهوجم معرضٌ في جامعة بيرزيت للمنشقّين والفصائل المتحالفة معهم، وساهم مروان البرغوثي في هذا الهجوم.

كان المقرّر ألّا يتأخر زفاف مروان وفدوى كثيراً. بمجرد خروجه من المعتقل جلس معها ومع والدها وحدّثها عن ظروف الاعتقال وأنّه اختار درب النضال، ما قد يقوده للاستشهاد أو الأسر الطويل أو المطاردة. طلب أن تحسم أمرها، فلم تتردّد، وقالت له كما تُقدِّم لفلسطين أُقدِّم.
تأخر الزفاف مع ذلك أكثر من عامٍ ونصف. إذ تكرر اعتقال مروان البرغوثي ومطاردته مرّاتٍ، فسُجِنَ أياماً وأحياناً أسابيع. وبعد اعتقالٍ دام أربعين يوماً، اقترح مروان أن يكون موعد الزفاف بعد أسبوعٍ، مع اختصار التجهيزات التقليدية. زار هشام، شقيق مروان العاملُ في السعودية، البلادَ بعد عدّة أعوامٍ من الانقطاع، واقترح الإسراع بالزفاف وتبرّع بمجمل تكاليفه. ظاهرياً انشغلت فدوى بالإعداد للزفاف مع عائلة مروان، فيما عقلُها منشغلٌ بالسؤال: هل ستُزفّ فعلاً أم سيطرأ ما يمنع الزفاف.
كان الزفاف لحظة تجسد التقاء الخطّين المتوازيين في حياة مروان البرغوثي، الشخصي والوطني. وكانت هذه سمةً متعاظمةً في فلسطين في الثمانينيات. فكلّ شيءٍ في الحياة الاجتماعية والمهنية مختلطٌ بالوطنية. بحسب فدوى كان العرس "مهرجاناً فتحاوياً بامتياز". إذ حضره أعضاء حركة الشبيبة من كل أنحاء الضفة وغزة. وإلى اليوم، كما تقول فدوى "إذا التقى جيل مروان البرغوثي [من الشبيبة] من غزة، من طولكرم، من جنين، إلخ، سيتذكرون العرس لأنه لم يغِبْ أحد".
توافدت الفرق الغنائية الوطنية من المناطق المختلفة دون دعوة. فغنَّى كلٌّ منهم فقرةً أو أكثر، ازدحم بيت مروان وعائلات أقاربه بالمهنّئين الذين قرّروا المبيت. كانت المناضلة ربيحة ذياب، إحدى القيادات الفتحاوية، قد خرجت حديثاً من السجن فرحّب بها مروان البرغوثي ودعاها لإلقاء كلمةٍ، فتحدثت وغنّت موّالاً. غنّت الفِرق وخصّصت جزءاً من الأغنيات لمهاجمة المنشقّين والفصائل التي اصطفت مع النظام السوري. توتّر الوضع، إذ كان جزءٌ من عائلة مروان وأقاربه والأهالي مع المنشقّين أو فصائل ما سمّي بجبهة الرفض.
أخيراً انتهى الزفاف. وبعده بستّة أيامٍ عاد مروان البرغوثي للجامعة. ولم يطُل الأمر حتى اعتُقِل، وفُرضت عليه إقامةٌ جبريةٌ بالمنزل. تُعَقِّب فدوى ساخرةً من هذه الواقعة بقولها إن إسرائيل قدّمت لها بفرض هذه الإقامة الجبرية خدمةً جليلةً لم تتكرر.
عندما أُسر مروان أوّل مرّةٍ نهاية السبعينيات، عُذِّب وضُرب عمداً على الأعضاء التناسلية. وقال الضابط إنّ هدفه أن "يقطع نسل" أمثاله. ولذلك عندما جاءه خبر ولادة ابنه البِكر "قسّام" وهو في المعتقل سنة 1985، كانت فرحته مضاعفةً، فرحة بالمولود وبهزيمة ذلك الضابط.
جاءه نبأ ولادة قسّام، بعد أسبوعين من إضراب مروان البرغوثي ومن معه عن الطعام. عاد مروان من زيارة المحامي الذي أبلغه النبأ ليلتفّ حوله كلّ من في الزنزانة الكبيرة حينئذٍ، وهم نحو خمسةٍ وثلاثين مناضلاً من فصائل مختلفة. فاحتفلوا وقدّم لهم "حِلوان" الطفل الجديد. وبما أنهم في السجن، ومضربون عن الطعام، قدّم لهم ما لديه من ملحٍ قليل. فالمُضرِب عن الطعام يُسمَح له ببعض الملح. لاحقاً رزق مروان وفدوى برُبَى بينما مروان البرغوثي ما زال في العمل الطلابي والشبابي، فيما وُلد أبناؤه الآخرون بعد المنفى الذي بدأ سنة 1987. واعتُقل قسّام مع والده بعد نحو عشرين عاماً من ولادته.
كانت فلسطين في منتصف الثمانينيات تنضج وصولاً للانتفاضة. فتحولت المؤسسات الطلابية والجامعات والصحف والمجلات والجمعيات التعاونية والإغاثية ولجان الشبيبة الفتحاوية قوةً قياديةً حقيقيةً على الأرض متصلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح، في محاولةٍ لبناء حياةٍ أفضل. في الوقت ذاته تحولت الحركة الإسلامية نحو تبنّي المقاومة الوطنية، فتأسست كتلٌ طلابيةٌ إسلاميةٌ في الجامعات. كان مروان من أهمّ رموز حركة الشبيبة والعمل الطلابي، وقاد الجماهير تأييداً لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبحسب نشطاء من الحركة الإسلامية في فلسطين، رحّب مروان وسهّل تكوين كتلةٍ إسلاميةٍ طلابيةٍ في بيرزيت، فيما حاول آخرون منع ذلك.
اتسعت حالة النضج الثوري في فلسطين. وكان لجيل مروان البرغوثي دورٌ عظيمٌ فيها. أُبعد مروان للخارج في شهر مايو 1987، فحزن لذلك كثيراً. بيد أن الحزن لم يطُل، إذ سرعان ما اندلعت الانتفاضة في ديسمبر فتابعها وصار جزءاً من قيادتها، خصوصاً قيادة منطقة وسط الضفة الغربية. وعمل عن بعدٍ وتواصل مع آخرين داخل فلسطين.
مع توقيع اتفاقيات أوسلو للتسوية المؤقتة بين منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1993 و1994، عاد مروان البرغوثي مع قوات الثورة الفلسطينية إلى داخل فلسطين. وهناك انتُخب رئيساً للجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانتُخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 1996. وأنهى درجة الماجستير في الدراسات الدولية من جامعة بيرزيت. وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى سنة 2000، بادر مروان البرغوثي لقيادتها بمباركةٍ وتكليفٍ من الرئيس ياسر عرفات، وسرعان ما نسج مروان علاقة تنسيقٍ متينةً مع حركة حماس. لتشترك الحركتان مع باقي الفصائل الفلسطينية في قيادة الانتفاضة. أدّت الهجمات والاغتيالات الإسرائيلية، بما في ذلك قصف مقرّات الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالطيران وتدميرها، إلى عسكرة الانتفاضة. تشكّل لحركة فتح في هذه الانتفاضة جناحٌ عسكريٌ سُمّي كتائب شهداء الأقصى، نَفّذ عدداً كبيراً من العمليات العسكرية. اتُّهِم مروان البرغوثي بقيادة هذا الجناح، وأدانته المحكمة الإسرائيلية بعد اعتقاله سنة 2002 بالمسؤولية المباشرة عن عملياتٍ أدّت لمقتل إسرائيليين مستوطنين وجنودٍ، فحُكم عليه بالسجن مئةً وخمسةً وعشرين عاماً، يضاف لها أربعون عاماً.
في السجن انتُخب مروان البرغوثي عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، وهي القيادة العليا للحركة، وأعيد انتخابه سنة 2016 وما زال عضواً فيها. أكمل مروان الحصول على شهادة الدكتوراه، إذ ناقش معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة رسالة مروان البرغوثي غيابياً في مارس 2010. وكان عنوان أطروحته "الأداء التشريعي والرقابي والسياسي للمجلس التشريعي وإسهامه في العملية الديمقراطية في فلسطين"، وجاءت في ثلاثمئةٍ وأربعين صفحةً كان الجزء الأكبر منها أُعِدّ قبل اعتقاله. سرعان ما بادر مروان لإدارة برنامجٍ أكاديميٍ في الدراسات الإسرائيلية في سجن هداريم الذي يُعتقل فيه نخبة الأسرى، بالتنسيق مع جامعاتٍ خارج السجن تشرف على تفاصيل البرنامج الأكاديمي وتمنح الشهادات الأكاديمية النظامية لمن يجتاز متطلباتها.

في صفقة تبادل الأسرى التي أنهت حرب غزة في أكتوبر 2025، لم يطلَق سراح مروان البرغوثي وبقي مع القيادات الأبرز في الحركة الأسيرة معتقلاً. وأفاد الأسرى الذين خرجوا من المعتقل بأمرين أساسيين. الأول أن القوات الإسرائيلية تواظب بين الحين والآخر على الاعتداء الجسدي على مروان. والثاني أنّه يواجِه كلّ ذلك بثباتٍ ومعنوياتٍ وإصرارٍ على الحياة والنضال.
اشتبكت سيرة مروان البرغوثي مع تاريخ العمل السياسي الفلسطيني في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته داخل فلسطين.
تحتاج كثيرٌ من تفاصيل حياة مروان البرغوثي لمزيدٍ من القراءة، سواءً المرحلة التي غطّتها المقالة حتى النصف الثاني من ثمانينيات القرن الفائت، أو ما تلا ذلك من محاولات بناء الدولة الفلسطينية، وانتفاضة الأقصى ونضالات الحركة الأسيرة في السجون، ثم محطة السابع من أكتوبر 2023.