ثم ماذا بعد؟

تم الاتفاق على المرحلة الأولى من خطة ترمب الهادفة إلى إنهاء الحرب على غزة.
الاحتفالات المرتقبة لنجاح البداية هي على مستوى القمة، حيث يتوقع حضور الرئيس ترمب إلى المنطقة بعد دعوتين تلقاهما من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجغرافيا الأولى في المشهد مصر، ونتنياهو رئيس الحرب وصاحب الأجندة المبتورة، إذ لا تهجير كما حلم ولا إبادة اكتملت كما نصور، ولا قضية صفيت كما سعى.
لن نتحدث عن منتصرٍ ومهزوم، فليس هذا هو وقت توزيع الأوسمة وجوائز الترضية، ففي حربٍ كهذه يخجل النصر من مجرد ادعاءه، ويخيم شبح الخسارة المؤلم على كل من ابتلي بها، فالخسارة أصابت عشرات آلاف العائلات الثكلى في غزة، وآلاف الشهداء والمعتقلين في الضفة، ومثلهم وأكثر منهم في لبنان وسوريا، واليمن وإيران، ولأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط تمتد حربٌ على هذا الزمن الطويل، وتدمر فيه بلدٌ بالكامل كانت قبل الحرب واحدةً من عرائس المتوسط الجميلات.
حربٌ خلّفت آلاف الأرامل والأيتام والبيوت المدمرة، والمرافق التي سويت بالأرض، وخلّفت طلبةًً وطالبات من الحضانة إلى الجامعة، لم يتسنى لهم ما تسنى لغيرهم من طلبة العالم من تعليمٍ على مدى ثلاث مواسم دراسيةٍ متتالية.
من حق أهل غزة أن يسعدوا بتوقف فيضان الموت الذي غمرهم، ولكن ليس من حق أحد أن يعلّق أوسمةً على صدره أو أن يصدح بغناءٍ على أنقاض البيوت المدمرة، التي ترقد تحت ركامها جثثٌ لم يبقَ منها سوى العظم، ولم تحظى بدفنٍ كريمٍ وصلاة جنازة.
هي حربٌ توقفت المرحلة الأولى من مراحلها المرتقبة، وبقيت المراحل التالية وإذا ما لاقت نجاحاً كالذي لاقته الأولى ووصلنا إلى اليوم التالي الذي انشغل العالم به كثيراً قبل أن يحل، عندها يتحتم على الفلسطينيين جميعاً أن يسائلوا أنفسهم..
والسؤال الأول.. هل سيواصلون العبث الذي أوصلهم إلى أفدح كارثةٍ ألّمت بهم؟
هل سيواصلون التنابذ والتقاتل على كل كلمة وموقفٍ واجتهاد، وهل سيواصلون الغوص في بحر المآسي ويؤدون أناشيد النصر البائس؟
اليوم التالي ينبغي أن لا يكون انشغالنا بما الذي سيفعله العالم من أجلنا، ولا رهاننا على خلاصٍ قادمٍ من أي مكان في العالم، ولا تواصل اقتتالنا على من الذي ضحّى أكثر ومن الذي خان أكثر ومن الذي قاتل أكثر.
صحيحٌ أن العالم كله يقف معنا ومع حقنا في الحرية والاستقلال، وحقنا في الحياة بكرامةٍ في بلدٍ حقيقي ودولةٍ حقيقية، يقودها نظامٌ سياسي يليق بشعبٍ ذي كفاءةٍ عاليةٍ في كل المجالات بما في ذلك الوصول إلى جائزة نوبل للعلم والاختراع، وكل هذا إن دعمنا العالم فيه واعترف بدولتنا قبل أن تولد، فالأرضية التي يُبنى عليها المستقبل هي أرض فلسطين، وما نبني عليها من مؤسساتٍ عصريةٍ قوية، تستوعب جميع الطاقات الخلاقة في هذا الشعب، بحيث لا ظلم من قبل أي سلطةٍ على أي مواطن، ولا غياب ولا تغييب لأي كفاءةٍ في أي مجال لمجرد أنها لم تمر من ثقوب طبقةٍ سياسيةٍ ضيقةٍ للغاية، منحت نفسها حق احتكار قيادة شعب، بينما هي عازلةٌ نفسها عنه، تجسّد ظاهرةً مدمرة وهي أن يحكم شعبٌ عظيمٌ عالي التأهيل من قبل أضعف الحلقات فيه وأقلها كفاءة وجدارة.
توقفت اليوم أو هكذا يفترض حرب السنتين واليومين، فما الذي ينبغي أن يبدأ على الفور..
أن يتغير الفلسطينيون قبل أن ننشد تغير العالم، وأن يندمج الجميع في بوتقةٍ وطنيةٍ واحدة، وضمن نظامٍ سياسي واحد مرجعه الشعب كله، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه، أن يسلّم محتكرو القيادة بحقيقةٍ أنه آن الأوان كي تعود الأمانة إلى أهلها، أي إلى الكل الفلسطيني الواحد، الذي لابد وأن يتجه إلى صناديق الاقتراع كخطوةٍ أولى ولا بد منها للتعافي من الأوبئة السياسية التي فتكت بنا وكادت تودي بكل حقوقنا، وإذا ما بدأنا بما هو واجب ومسؤولية علينا فالعالم كله معنا، وليكن شعار الحاضر والمستقبل ما قاله الشاعر الراحل مريد البرغوثي...
كل وقتٍ صالحٌ للبدء، فابدأ..
إنما الحاضر ماضٍ
وإلى مستقبل الأيام نمشي