الجبهة الثامنة.. حرب الرواية

2025-10-06 11:22:52

فتح نتنياهو جبهته الثامنة في الولايات المتحدة، وذلك من خلال تجنيد عشرات المؤثرين والتعاقد مع شركات الدعاية والإعلام العملاقة، لحشد الكتاب والرهبان والمؤسسات والشخصيات لغسل الأدمغة وتغيير الآراء وتعديل الأمزجة لصالح الرواية الإسرائيلية، لاستعادة ما خسرته إسرائيل في معظم أرجاء العالم، وهذه الجبهة، التي كشفت مصادر أمريكية رسمية وغير رسمية، مصادر تمويلها ومسئوليها وطرق عملها، تستهلك ملايين الدولارات، وتتطلب قدرة غير عادية على الإبهار والاستمرار والتكرار.

وإسرائيل تعتقد أن خسارتها في العالم تعود للأسباب التالية: عدم القدرة على التواصل والشرح والإقناع، كراهية تاريخية، دعاية مضادة من الصين، نعم، تصوّر أن الصين تقوم بدعاية ضد إسرائيل، وكذلك حماس، ولا ينسى الإسرائيلي أيضاً أن يقول في ذلك أن السلطة الفلسطينية تقوم هي الأخرى بتشويه الوجه البريء والقلب الطيب لدولة إسرائيل.

إسرائيل تعتقد أن خسارتها المتواصلة والمستمرة للرأي العام وللمؤسسات الأكاديمية والسياسية والمجتمعية يعود إلى فقدان المنصات المناسبة وعدم القدرة على المخاطبة والجدل والإقناع والتأثير، ولذلك، فإن الخطة هي امتلاك المنصات العالمية، وهو ما حصل فعلاً، وتجنيد المؤثرين، وهو ما حصل ويحصل، ومحاربة المحتوى المعادي ومصادرته وتجريمه، وهو ما حصل ويحصل في كبريات المنصات، وإسكات الصوت الفلسطيني والتعتيم عليه، وهو ما حصل ويحصل، ولكن الواقع يقول أن كل ذلك لم ينجع على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، فإن الصورة تزداد تعقيداً وإرباكاً، فالجمهور العريض في القارات الخمسة يعبر عن غضبه ورفضه للسلوك الإسرائيلي في غزة والضفة والقدس المحتلة.

ولا يكتفي هذا الجمهور بالرفض والغضب، بل ينظم نفسه ليتحول إلى قوى مدنية عريضة تقوم بالتظاهر أو الاعتراف أو الإضراب أو تعطيل الإجراءات أمام المصالح الإسرائيلية، أو حتى تقوم بمهاجمة المصانع أو الهيئات التي لها علاقة مع المحتل، طالب هذا الجمهور بالمقاطعة الأكاديمية والثقافية والصناعية والعسكرية والتجارية، ووصلت هذه المشاعر للبرلمانات والحكومات، فتغيرت القرارات وطبيعة العلاقات.

غضب الشارع في القارات الخمسة لم يكتفِ بإظهار الغضب فقط، بل حوّل الغضب إلى قرار، وحوّل القرار إلى فعل، فعل قوي يحاصر الاحتلال ويكشف زيفه وألاعيبه، غضب الشارع في القارات الخمسة – عدا استثناءات قليلة – لم يبقَ أسيراً لرواية المحتل أو من يدعمه أو من يخاف منه، ولهذا، فإن ما تقوم به إسرائيل من فتح جبهة ثامنة لتغيير أو تعديل الرواية لن يسجل نجاحات لافته على الإطلاق، وتشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة ذاتها إلى تغير عميق في صورة إسرائيل وأهدافها وتقييم سلوكها، هذه الجبهة الثامنة التي تشتبك مع الرواية والصورة والنموذج لا يمكن لها أن تنتصر من خلال تقرير أو محتوى ثمنه سبعة آلاف دولار، ولا يمكن أن تسجل نجاحات من خلال إغراق الجمهور بالصور والشعارات، حتى ولو جاءت من أهم الشخصيات صاحبة التأثير، إذ أن هناك خندق آخر نشأ في قلب الولايات المتحدة ومن قلاعها اليمينية أيضاً، تسأل أسئلة خطيرة ومحرجة، وتطرح لأول مرة عن طبيعة العلاقة مع إسرائيل وأهدافها وتأثيرها على السياسات الأمريكية الداخلية.

هناك مقارنات محرجة واستنتاجات خطيرة، دفعت إسرائيل لأن تفتح هذه الجبهة الإعلامية، وكأنها ستنقذها من هذا التدهور وهذا الخسران، نسيت إسرائيل أن الإعلام قد يحقق بعض النتائج ولكن استمرار القتل والاحتلال والمصادرة وقمع شعب آخر لا يمكن أن يغطى بصورة أو تقرير مدفوع الأجر أو بمحتوى مبهر يقوم على الخداع والكذب.