حين يصبح الصمود خيارًا وحيدًا: حكاية شباب الأغوار

2025-10-03 12:18:32

لا يمكن الحديث عن واقع الشباب الفلسطيني من دون التوقف عند الأغوار، تلك المنطقة التي تُشكّل قرابة ثلث الضفة الغربية (نحو 1.6 مليون دونم)، هنا، حيث الأرض الخصبة والمياه التي صادرها الاحتلال، وحيث تاريخ طويل من الزراعة والعيش البسيط، نجد شبابًا يواجهون أشد أشكال التهميش والاقصاء، فيما تُصادَر أراضيهم لصالح الاستيطان، وتفرض عليهم قيود خانقة.

تبدو الصورة في الأغوار قاسية: فاليوم لا يتجاوز عدد الفلسطينيين المقيمين فيها 56 ألف نسمة، بعدما كان يقدَّر قبل عقود بنحو 250–300 ألف، نتيجة سياسات المصادرة والتهجير. وفي المقابل، يقيم حوالي 9,500–11,000 مستوطن في نحو 37 مستوطنة إسرائيلية تستولي على مساحات واسعة من الأراضي. 

وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن ما يقارب 95% من مساحة الأغوار مصنّفة ضمن مناطق (ج)، وتخضع لقيود مشددة على البناء والوصول، فيما أُعلن نحو 55% منها مناطق عسكرية مغلقة أو ميادين اطلاق نار وتدريب، الأمر الذي يحرم الفلسطينيين فعليًا من استغلالها. ومن الجدير بالذكر أن هذه النسب، وإن استندت إلى بيانات أممية سابقة، فإن الواقع الميداني بعد السابع من أكتوبر شهد تصاعدًا ملحوظًا في اعتداءات المستوطنين والهجمات المنظمة، وهو ما يرجّح تفاقم القيود على الفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم بصورة غير مسبوقة.

الشباب في الأغوار يواجهون تهديدًا مستمرًا: فسياسات الاحتلال من جهة، وحالة القصور العام في الاستجابة الفلسطينية، رسميًا وأهليًا، من جهة أخرى، جعلت هذه المنطقة في الهامش. إذ انصبّ الاهتمام في الغالب على مراكز المدن، فيما بقيت المناطق الحدودية بحاجة أكبر إلى دعم وتدخل جاد. ومع ذلك، فإن أولويات الشباب هناك واضحة وبسيطة: أرض تُزرع، ماء متاح، سوق تحمي منتجاتهم من الإغراق، وبنية تحتية تتيح لهم حياة كريمة. وفي غياب هذه المقومات، يصبح الحديث عن "الصمود" أقرب إلى شعارات تفتقد لجدواها العملية.

لقد آن الأوان أن يُمنح شباب الأغوار تمييزًا إيجابيًا، ليس من باب المنّة، بل من باب العدالة. هؤلاء الشباب يستحقون سياسات واضحة تعيد دمجهم في الفعل الوطني، وتضعهم في قلب المؤسسات التمثيلية وصنع القرار. فحماية الأغوار وحماية شبابها ليست مجرد شأن تنموي، بل قضية سيادية ووطنية بامتياز.

إن مستقبل فلسطين لا يُبنى من على منصات المدن الكبرى وحدها، بل من الأطراف المهمشة، من الأغوار التي تشكّل خط الدفاع الأول عن الأرض والهوية.

ومن هنا، فإن إعادة توجيه السياسات نحو الأغوار، بتوزيع عادل للمشاريع التنموية، وضمان دعم الزراعة وحماية منتجاتها، هو الطريق الوحيد لتعزيز صمود أهلها.