خلال مؤتمر الموازنة العامة 2025: الفريق الأهلي يرصد أداء المالية العامة

عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة مؤتمره السنوي لعام 2025، وسط حضور لافت لممثلين عن المؤسسات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية. وجاء المؤتمر ليشكّل مساحة حوار حول قضايا مرتبطة بإدارة المال العام في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تتفاقم وتنعكس تبعاتها على حياة المواطنين والخدمات الحكومية نتيجة ممارسات الاحتلال وقرصنته لأموال المقاصة، حيث باتت فيه الأزمة المالية تمسّ كل بيت فلسطيني وتهدد الأمن الاقتصادي، الأمر الذي يجعل من المؤتمر خطوة مهمة لإنتاج توصيات عملية تسهم في تعزيز مقومات الصمود وتوزيع الأعباء بعدالة بين مختلف شرائح المجتمع.
توزعت أعمال المؤتمر على جلستين؛ خصصت الأولى لعرض واقع إدارة الحكومة للموازنة خلال النصف الأول من العام، وسبل تفعيل دور ومساهمة القطاع الخاص عبر برامج المسؤولية الاجتماعية في دعم استمرارية الخدمات العامة، إضافة إلى مناقشة أشكال التسرب المالي الذي يحرم الخزينة أكثر من مليار دولار سنوياً والآليات المقترحة للحد منه. أما الجلسة الثانية، فركزت على واقع الحوكمة في الشركات العامة المملوكة كلياً أو جزئياً للحكومة الفلسطينية، وعلى أوضاع الأصول الحكومية واستثماراتها داخل فلسطين وخارجها، بما يشمل الأطر القانونية والمؤسسية والعوائد المتحققة منها.
الحسيني: الإصلاح المالي وترشيد النفقات العامة وتفعيل الحوكمة والرقابة مدخلاً أساسياً لتعزيز ثقة المواطنين
وافتتح رئيس مجلس إدارة ائتلاف أمان، عبد القادر الحسيني، أعمال المؤتمر مؤكداً أن المضي في الإصلاحات وتعزيز الشفافية وتوسيع دائرة المشاورات الوطنية والمجتمعية يشكّل ضرورة لتعزيز الصمود ومواجهة هذه التحديات.
وأشار إلى ما ورد في تقرير البنك الدولي الأخير حول محدودية قدرة السلطة الفلسطينية على التحكم بأدوات السياسات الاقتصادية بسبب سياسات الاحتلال، وما يرافق ذلك من حاجة متزايدة لدعم المانحين لضمان استمرارية الخدمات العامة الحيوية.
وأكد الحسيني أن الفريق الأهلي يرى في الإصلاح المالي وترشيد النفقات العامة وتفعيل الحوكمة والرقابة مدخلاً أساسياً لتعزيز ثقة المواطنين وتحسين الخدمات، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، مشدداً على أن الاحتلال لا يشن حرباً عسكرية فقط، بل أيضاً حرب إبادة اقتصادية تستدعي العمل التكاملي والتشاركي لمواجهتها.
تجميد الاحتلال لأكثر من 10.5 مليار شيقل حتى الآن
استعرضت لميس فراج، منسقة الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، التقرير الأول بعنوان: "أداء الموازنة العامة خلال النصف الأول من عام 2025"، والذي يقارن بين تقديرات الموازنة العامة وما تحقق فعليًا حتى 30/6/2025، استنادًا إلى تقارير وزارة المالية، كما يقيّم التقرير مدى توافق الأداء مع الأهداف والسياسات المعتمدة، ويرصد مستوى الشفافية والإفصاح المالي، ويقدم توصيات لتحسين إدارة المال العام.
وتطرّق التقرير إلى تأثير ممارسات الاحتلال، خاصة قرصنة أموال المقاصة، التي لم تُحوّل منذ أربعة أشهر، مع الإشارة أن بدء عملية الحجز عام 2019 بقرار من الكنيست بخصم 52 مليون شيقل شهريًا، ما أدى إلى تجميد أكثر من 10.5 مليار شيقل حتى الآن.
موازنة طارئة للحفاظ على استقرار القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والأمن والحماية الاجتماعية
وقد أوضح التقرير أن انعكاسات الحرب والحصار الاقتصادي أدّت إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي وتعمّق الأزمة المالية نتيجة تجفيف الموارد وانخفاض الدعم الخارجي، الأمر الذي دفع الحكومة الفلسطينية إلى إقرار موازنة طارئة للعام 2025 بلغت قيمتها 20.6 مليار شيقل، مع فجوة تمويلية كبيرة وصلت إلى 6.9 مليار شيقل. واعتمدت هذه الموازنة على ثلاث ركائز أساسية: توقعات مالية متحفظة تحاكي الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي، وتطبيق سياسة تقنين نقدي تحدد أسس الإنفاق وفق أولويات الحكومة، وتوفير السيولة اللازمة للحفاظ على استقرار القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والأمن والحماية الاجتماعية.
إصلاحات وإجراءات تقشفية
وبيّن التقرير أن الحكومة أعلنت عن حزمة إصلاحات مالية تضمنت مراجعة البنى المؤسسية عبر دمج وإلغاء مؤسسات لخفض النفقات، إلى جانب اعتماد سياسة التدوير الوظيفي، ومعالجة تضخم الكادر الأمني من خلال إعادة الهيكلة. كما بدأت الحكومة بإصلاحات ضريبية، حيث أُقرّ قانون ضريبة القيمة المضافة مع التعهد بمراجعة قانون ضريبة الدخل، إلى جانب استمرار إجراءات التقشف المعلنة منذ العام الماضي، مثل: وقف الاستملاكات وشراء المركبات، وتخفيض النفقات التشغيلية والرأسمالية، ووقف صرف الامتيازات غير القانونية.
استمرار ارتفاع فاتورة الرواتب مع تراجع في جودة الخدمات
وأشار التقرير إلى أن الحكومة نجحت في خفض إجمالي النفقات خلال النصف الأول من العام ليصل إلى 44% من الموازنة المقدرة، غير أن القضايا الجوهرية ما زالت من دون معالجة حقيقية. فقد بقيت فاتورة الرواتب مرتفعة وتشكل أكثر من نصف الموازنة، في حين جاء التخفيض على حساب الفئات الأشد ضعفاً، كالتحويلات الاجتماعية المخصصة للعائلات الفقيرة، إلى جانب تراجع جودة الخدمات بسبب تقليص أيام الدوام وعدم تسديد تكاليف الخدمات العامة، ناهيك عن انخفاض النفقات الرأسمالية بشكل غير مؤثر على مستوى الموازنة.
تعثر شراء الأدوية وحرمان 90 ألف أسرة فقيرة في القطاع من برنامج المساعدات النقدية
ولفت التقرير إلى أن وزارة الصحة كانت من أبرز المتضررين، إذ لم تتجاوز نفقاتها التشغيلية 37% من المقدر، ما أثر سلباً على شراء الخدمات والأدوية والمستلزمات، ورافق ذلك تقليص دوام العيادات الحكومية إلى يومين فقط في الأسبوع. أما وزارة التنمية الاجتماعية فقد شهدت انخفاضاً حاداً في النفقات التحويلية، حيث لم يتم صرف سوى أربع دفعات خلال النصف الأول من العام، اقتصرت على نحو 31 ألف أسرة في الضفة الغربية فقط، فيما حُرمت 90 ألف أسرة في قطاع غزة من أي تحويلات، رغم تضاعف أعداد المحتاجين بفعل حرب الإبادة، وذلك لأسباب عديدة منها ممارسات الاحتلال بعدم تمكين السلطة من العمل في قطاع غزة.
باستثناء قطاع الأمن
وأوضح التقرير أن وزارة الأمن شكّلت استثناءً من الإجراءات التقشفية، إذ استحوذت على 21% من الموازنة وشهدت زيادة في نفقاتها التشغيلية، مع الإعلان عن وظائف جديدة في القطاع الأمني، ما أبقى فاتورة الرواتب مرتفعة. كما أشار إلى ارتفاع خدمة الدين العام بشكل ملحوظ، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع خلال الأشهر المقبلة، ما يضيف عبئاً إضافياً على الخزينة العامة ويهدد استدامة صناديق حيوية مثل صندوق التقاعد.
أبرز التوصيات: تكثيف الجهود الوطنية والدولية والضغط على الاحتلال للإفراج عن أموال المقاصة عبر المحاكم الدولية
واختتم التقرير بمجموعة من التوصيات، من أبرزها تكثيف الجهود الوطنية والدولية للضغط على الاحتلال للإفراج عن أموال المقاصة عبر المحاكم الدولية والدول الصديقة، وضبط الإنفاق من خلال معالجة فاتورة الرواتب وتطبيق سياسة التعيين الصفرية، وإصلاح النظام الضريبي بشكل يوسع القاعدة الضريبية بعدالة ويكافح التهرب الضريبي. كما دعا التقرير إلى معالجة مديونية هيئة التقاعد بتعديلات قانونية تضمن استدامتها، ووضع خطة جدية للانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، وتعزيز الإنتاج المحلي والطاقة البديلة. وأكد كذلك على إعادة ترتيب أولويات الموازنة لصالح الفئات الأكثر هشاشة، وتبني نظام التأمين الصحي الشامل والإلزامي لتأمين موارد مستدامة للقطاع الصحي.
حجم التسرب السنوي يفوق المليار دولار
فيما استعرض الباحث كايد طنبور التقرير حول "أشكال التسرب المالي والخسائر التي تتكبدها السلطة الفلسطينية ضمن العلاقة مع إسرائيل"، موضحاً أن السلطة الوطنية الفلسطينية تواجه تحدياً مالياً بنيوياً، يتمثل في حجم التسرب المالي الكبير والمتواصل الناجم عن طبيعة العلاقة غير المتكافئة مع الجانب الإسرائيلي، والتي تأسست في إطار بروتوكول باريس وما تلاه من ترتيبات مالية وإجرائية مجحفة.
تكشف نتائج التقرير أن حجم التسرب المالي السنوي المقدر يبلغ نحو 1.739 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 35.96% من إجمالي الإيرادات العامة لسنة 2023 البالغة 4.836 مليار دولار، وهو ما يمثل قرابة 11.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتتركز أبرز قنوات التسرب في الأنشطة الاقتصادية الإسرائيلية في المناطق المصنفة (ج) بما يتراوح بين 900–1.200 مليون دولار سنويًا، إضافة إلى الضرائب المقتطعة من العمال الفلسطينيين في إسرائيل والتي تجاوزت 419 مليون دولار سنويًا، والضرائب المفروضة على المحروقات (129 مليون دولار)، فضلًا عن ضريبة المغادرة عبر جسر الكرامة، والعمولة الإدارية على إيرادات ضريبة المحروقات.
انعكاسات التسرب المالي
أكد التقرير أن ظاهرة التسرب المالي تسهم في تفاقم العجز المالي، مع انعكاسات مباشرة على مستوى معيشة المواطنين وجودة الخدمات العامة، مع الإشارة إلى أن التسرب المالي الناتج عن حجز أموال المقاصة يُعد الأخطر، لكونه يمسّ العمود الفقري للإيرادات الفلسطينية حيث تشكّل المقاصة ما يزيد عن 60% منها، وتعتبر العمود الفقري للإيرادات الفلسطينية، حيث يشكل حجز هذه الأموال ضغطًا مباشرًا على المالية العامة ويحد من قدرة الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية. وأكد التقرير على أن معالجة هذا الملف تمثل أولوية قصوى على المستويين الوطني والدولي، لما له من تأثير مباشر على استقرار الموازنة، وجودة الخدمات العامة، ومرونة السلطة في اتخاذ القرارات الاقتصادية والتنموية.
تحويل قرصنة أموال الشعب الفلسطيني إلى ملف اشتباك قانوني ودولي
كما أشار التقرير إلى أهمية العمل على بدائل مالية تدريجية لتقليل الاعتماد على أموال المقاصة، تشمل توسيع القاعدة الضريبية المحلية، وتحسين إدارة الجباية الداخلية، وتحفيز الاستثمار المنتج القادر على خلق إيرادات مستدامة، ما يساهم في تعزيز استقلالية المالية العامة وقدرة السلطة على مواجهة الأزمات. كما أوصى التقرير أيضا بضرورة تعزيز آليات الرقابة والشفافية المالية للحد من آثار هذا التسرب المالي وتقليص المخاطر المستقبلية على المالية العامة الفلسطينية. وأكد التقرير على أهمية تطوير منظومة وطنية متكاملة لرصد الإيرادات ومتابعة الاقتطاعات بشكل دوري، مع الاستناد إلى قواعد بيانات موحدة وآليات تدقيق مستقلة تضمن المساءلة وتعزز القدرة على صياغة سياسات مالية واقتصادية مبنية على بيانات دقيقة. كل هذا بجانب ضرورة تفعيل الجهود الدبلوماسية والقانونية لتدويل ملف الاقتطاعات غير القانونية، عبر عرضه على المؤسسات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية، باعتباره انتهاكًا لبروتوكول باريس ولأحكام القانون الدولي.
مأسسة المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص
فيما استعرض الباحث مؤيد عفانة، عضو الفريق الأهلي، تقريره المعنون: "المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص... وضرورة مأسستها"، الذي أشار فيه إلى أن المسؤولية الاجتماعية لم تعد تقتصر على تقديم المساعدات، بل باتت معيارًا أساسيًا في تقييم أداء الشركات من حيث التزامها تجاه المجتمع والبيئة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، وتحديدًا في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والانكماش الاقتصادي في الضفة الغربية.
وأشار التقرير إلى غياب إطار تشريعي ناظم للمسؤولية الاجتماعية في فلسطين، رغم صدور قانون الشركات الجديد عام 2021، مما يضعف الأثر التنموي للمساهمات الحالية، التي تتركز غالبًا في الطابع الإغاثي.
وفي ظل الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية وبلوغ ديونها نحو 13.5 مليار دولار؛ شدد التقرير على أهمية إقرار تشريع ينظم آليات الصرف المتربطة بالمسؤولية الاجتماعية بناء على الأولويات والاحتياجات الحيوية للمواطنين، خاصة في ظل ما تتمتع به من تسهيلات ضريبية. كما أوصى التقرير بضرورة إطلاق استراتيجية وطنية للمسؤولية الاجتماعية، تشمل توسيع المشاورات المجتمعية ما بين القطاع الخاص والعام والأهلي حول فكرة إنشاء صندوق موحّد تُودَع فيه مساهمات الشركات، يُدار من خلال هيئة مستقلة، ووفق معايير واضحة للحوكمة، الشفافية، والنزاهة، مع ضمان العدالة في التوزيع، والابتعاد عن الطابع الإغاثي المؤقت.
مجدي الحسن: إجراءات تقشفية وتحسّن في الإيرادات رغم التضييق الإسرائيلي
قال مجدي الحسن، وكيل وزارة المالية، إن أداء الموازنة العامة خلال العام 2025 جاء في إطار سياسة تقشفية واضحة، تمثلت بإجراءات صارمة أبرزها وقف التعيينات الجديدة، واعتماد التقاعد المبكر في الأجهزة الأمنية، بهدف خفض فاتورة الرواتب، مشيرًا إلى أن هذه الفاتورة لا تزال تشكّل عبئًا كبيرًا على المالية العامة.
وأوضح الحسن ارتفاع إيرادات ضريبة الدخل بنسبة 34%، والجمارك بنسبة 16% خلال النصف الأول من العام، حيث شهدت الجباية المحلية تحسنًا ملحوظًا، مدعومة بتغيير في سلوك الضابطة الجمركية. كما ظهر تحسن في ملف تهريب السجائر، حيث كانت خسائر الدولة تُقدّر سابقًا بمليار شيقل، في حين ارتفعت الجباية من السجائر بنسبة 54% خلال الأشهر الستة الأولى من العام، وسجّلت شركة سجائر القدس ارتفاعًا في الكميات المستوردة بنسبة 9%، والإيرادات بنسبة 16%.
وفيما يتعلق بالتمويل، لفت الحسن إلى أن وزارة المالية اضطرت للحصول على سلف من البنوك في ديسمبر 2024 لتغطية رواتب الموظفين، مما أثّر على تقارير الأداء المالي في شهر 1 يناير 2025.
وبيّن الحسن أيضاً أن الوزارة تعمل حاليًا على توسيع القاعدة الضريبية، إذ ارتفعت من 36% إلى 56% منذ بداية العام، رغم ما يرافق ذلك من شكاوى من القطاع الخاص بسبب الاقتطاعات المتراكمة عن سنوات سابقة. كما أشار إلى أن توحيد الإجراءات الضريبية وتطبيق قانون زيادة ضريبة القيمة المضافة كان لهما دور في تحسين الإيرادات.
وأضاف الحسن أن قطاع المحروقات شهد تحولًا كبيرًا، مشيرًا إلى أنه في عام 2018 كانت إيرادات بيع البترول تصل إلى نحو 60 مليون شيقل فقط، بسبب انتشار تهريب غير مسبوق. لكنه أكد أن الوزارة نجحت في خفض سعر السولار بشيكل واحد، ما ساهم في الحد من التهريب وزيادة المبيعات، لترتفع الإيرادات إلى80 مليون شيقل، في مثال واضح على أثر السياسات الذكية في تعزيز الإيرادات دون زيادة الأعباء على المواطنين.
أحمد القاضي: القطاع الخاص استمر من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية بالمساهمة المجتمعية رغم الركود الاقتصادي
قال أحمد القاضي، ممثل اتحاد المقاولين، إن القطاع الخاص يواجه عبئًا كبيرًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع نسب البطالة، وتوقف العمالة في الداخل، بالإضافة إلى تراكم مستحقاته على الحكومة نتيجة الأزمة المالية، مشيراً أن معظم الشركات غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. وعلى الرغم من هذه التحديات، إلا أن القطاع الخاص استمر من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية بدعم العديد من القطاعات، داعيًا إلى ضرورة طرح فكرة إنشاء صندوق منظم للمسؤولية الاجتماعية للمشاورات المجتمعية مع القطاع العام والخاص والأهلي، بما يضمن تقاسم الأعباء بعدالة بين القطاعات.
اضغط هنا لمشاهدة الجلسة الأولى
الاتفاقيات المجحفة وأثرها على الحوكمة
وخلال الجلسة الثانية للمؤتمر؛ استعرض الباحث بكر اشتيه تقريراً بعنوان: "واقع الحوكمة في الشركات العامة المملوكة للحكومة في فلسطين"، مستعرضا واقع الحوكمة في الشركات العامة المملوكة كلياً أو جزئياً للحكومة الفلسطينية، وقياس مدى التزامها بمبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة، وتحديد نقاط القوة والضعف في ممارساتها الحوكمية، مع تقديم توصيات إصلاحية لتعزيز الأداء المؤسسي وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
أظهر التقرير أن الشركات العامة المملوكة للحكومة الفلسطينية تعاني من تشتت مؤسسي وغياب إطار قانوني موحد، نتيجة تعدد الجهات المالكة والمشرفة، وتأسيسها عبر مسارات قانونية متباينة، ما أدى إلى ضعف التنسيق، وتفاوت في تطبيق معايير الشفافية والمساءلة. كما أشار إلى ضعف استقلالية العديد من مجالس إدارتها وصعوبة مساءلة الإدارات التنفيذية، في ظل غياب رقابة تشريعية فعالة، واعتماد على تقارير غير ملزمة صادرة عن ديوان الرقابة. بيّن التقرير أيضًا تدنّي الالتزام بمدونة الحوكمة، وضعف نشر التقارير المالية والموازنات، إلى جانب نقص الوعي العام بدور هذه الشركات وضعف الرقابة المجتمعية، وتراجع التنسيق مع وزارة المالية بشأن الإيرادات، فضلًا عن محدودية الكوادر الرقابية في الهيئات التنظيمية كقطاعي المياه والكهرباء.
إقرار تشريع شامل وموحّد لحوكمة الشركات العامة مع اعتماد سياسات واضحة بشأن تضارب المصالح
أوصى التقرير بضرورة إقرار تشريع شامل وموحّد لحوكمة الشركات العامة، مع وضع آلية قانونية لتحويل أرباح هذه الشركات إلى الخزينة العامة لدعم الاستقرار المالي وتوجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية. كما شدد التقرير على تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال اعتماد سياسات واضحة بشأن تضارب المصالح، والهدايا، والذمة المالية، والإبلاغ عن الفساد، إلى جانب إلزام الشركات بنشر تقاريرها المالية والإدارية دورياً على مواقعها الرسمية. كما ركز التقرير على أهمية إصدار قانون خاص بصندوق الاستثمار الفلسطيني باعتباره صندوقًا سياديًا، يحدد علاقته بالموازنة العامة، ويلزمه بالحوكمة الدولية، ومتابعة أداء الشركات التابعة له، كذلك إلى تطوير قنوات فعّالة لاستقبال شكاوى المواطنين.
الأصول الحكومية: ثروة وطنية غير مستغلة بالشكل الأمثل
استعرض د. نصر عبد الكريم في تقريره أن الأصول الحكومية الفلسطينية – بما فيها الأراضي والمباني والمركبات وصندوق الاستثمار – تمثل ثروة سيادية كبيرة، لكن هناك فجوة واضحة بين حجمها الفعلي ومردودها الاقتصادي بسبب غياب استراتيجية موحدة، وضعف الحوكمة، وتعدد المرجعيات، إلى جانب معيقات الاحتلال. حيث رغم وجود قوانين مثل قانون أملاك الدولة (2021) ونظام التأجير (2023)، تفتقر هذه الأطر إلى اللوائح التنفيذية، وتغيب عنها الشفافية في تسعير الأصول ونشر العقود. أما مؤسسات الإدارة، كوزارة المالية وسلطة الأراضي وصندوق الاستثمار، فتُعاني من تداخل في الصلاحيات وضعف التنسيق. فيما أظهر ديوان الرقابة المالية والإدارية ضعفًا كبيرًا في حوكمة الأصول، مثل غياب أنظمة إلكترونية، وسوء استخدام المركبات الحكومية، وضعف الرقابة الداخلية، ما يؤدي إلى هدر الموارد وغياب المساءلة، ويُضعف الثقة في المؤسسات العامة.
تحديات إدارة أراضي الدولة واختلالات هيكلية في إدارة المركبات الحكومية
أحرزت سلطة الأراضي تقدمًا في تطوير نظم المتابعة وإنشاء قاعدة بيانات جيو-مكانية، لكن تقرير الرقابة (2023) كشف عن ثغرات، منها غياب خطة استثمارية واضحة، اختلاط الإيرادات، وعدم ترميز الأصول، ما يضعف المتابعة والشفافية. كما كشف التدقيق عن سوء استخدام للمركبات الرسمية، وتجاوزات قانونية مثل استخدامها خارج الدوام أو بلوحات مدنية، إلى جانب ارتفاع تكاليف التشغيل، واستمرار صرف بدلات لموظفين يمتلكون مركبات حكومية، وسط ضعف رقابة داخلية وتباين في سجلات العهد.
إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة أملاك الدولة لتعزيز إدارة الأصول
دعا التقرير إلى إصلاح مؤسسي شامل لإدارة الأصول الحكومية، يتضمن إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة الأملاك والأصول، وتحديث الأطر القانونية بما يشمل تفعيل النشر الإلزامي للعقود والعوائد الاستثمارية. كما أوصى بوضع استراتيجية وطنية طويلة الأجل لاستثمار الأصول، وإنشاء صندوق سيادي فرعي لتمويل مشاريع إنتاجية مستدامة. وشدد التقرير على ضرورة تعزيز الشفافية، من خلال إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتوثيق الأصول وتطبيق الدفع الإلكتروني، إضافة إلى إلغاء التعامل الورقي وربط المركبات الحكومية بأنظمة تتبع لضبط الاستخدام.
الديسي: المجلس يفتقر للدعم والتمويل والصلاحيات رغم دوره في ضبط قطاع المياه
وقد أوضح رياض الديسي، ممثل مجلس تنظيم قطاع المياه في المؤتمر، أن قطاع المياه يواجه تحديات تاريخية مثل الفاقد الكبير، وعدم عدالة التوزيع، واختلاف التعرفة، وسرقة المياه، فضلًا عن أثر ممارسات الاحتلال، معتبراً أن قدرة المجلس على الاستمرار يعتبر انجازا، لكنه لم يتمكن من تنفيذ كل مهامه التي حددها القانون، وأهمها مراقبة جميع أنشطة مقدمي خدمات المياه والصرف الصحي.
وحدد الديسي أربعة عوامل أساسية لتمكين المجلس، تمثلت بالدعم السياسي، والتمويل الكافي، والإطار القانوني، وبناء القدرات المؤسسية. وأوضح الديسي أن الدعم السياسي والمالي ما زال غير كافٍ، وأن تعديلات القوانين قلّصت صلاحيات المجلس (مثل سحب صلاحية إصدار التعرفة والتراخيص لصالح رئاسة الوزراء). كما أشار إلى ضعف الموارد المالية، إذ يعتمد المجلس على رسوم التراخيص، دون وجود آلية ملزمة لتحصيلها.
من جانب آخر، أشار الديسي أن المجلس يعاني من نقص في الكوادر البشرية وغياب الأمان الوظيفي، ما أدى لفقدان كفاءات خلال السنوات الماضية، مشيرا أن التمويل الحكومي أيضًا محدود ومتقطع، إذ لم يتلقَّ المجلس سوى دعم بسيط آخره عام 2021. وختم بالتأكيد أن نجاح المجلس يتوقف على توفير تمويل مستدام عبر رسوم التراخيص، وربطها بشروط واضحة تتعلق بجودة الخدمة، ناهيك عن خفض الفاقد، وضمان عدالة التعرفة، بحيث تغطي التكاليف وتبقى مقبولة للمواطن.
محمد خليفة: نحتاج إلى إصلاح قانوني شامل لحوكمة الأصول والشركات الحكومية
أكد محمد خليفة، ممثل هيئة مكافحة الفساد في المؤتمر، أن ملف الأصول العامة، خصوصًا الأراضي الحكومية واستثمارها، يعاني من إشكاليات قانونية وإدارية مرتبطة بتعدد المسميات الوظيفية والصلاحيات، وهو ما يتطلب إصلاحًا قانونيًا جوهريًا وجهدًا تشاركيًا على مستوى الدولة. وأشاد بتنبه مجلس الوزراء لهذا الملف، لكنه شدد على الحاجة إلى تحرك أكبر وأعمق لتعظيم الاستفادة من الأصول الوطنية.
وفيما يخص الشركات المملوكة للدولة، أشار خليفة إلى أن التدقيق – الداخلي والخارجي – يُعد أحد الركائز الأساسية لحوكمة هذه الشركات، إلى جانب ضرورة تعديل مدونة حوكمة الشركات، بما يضمن فاعلية مجلس الإدارة لقيادة الحوكمة، مع تفعيل دور الهيئة العامة وتكامل الأدوار بين كافة أصحاب المصلحة.
وأوضح أن الغموض القانوني لا يزال قائمًا بشأن تطبيق القوانين المختلفة على الشركات العامة، مثل: قانون الشركات، وقانون مكافحة الفساد، وقانون الرقابة المالية والإدارية، وقانون الأوراق المالية، وقانون المنافسة، مؤكدًا أن على الشركات الامتثال لجميع هذه القوانين، خاصة في ظل خضوع موظفيها لأحكام قانون مكافحة الفساد.
كما أشار إلى وجود نظام خاص بتضارب المصالح صدر عن مجلس الوزراء عام 2020، ويجب أن تلتزم به جميع الشركات الحكومية، داعيًا إلى مراجعة شاملة لمدى التزام تلك الشركات بالتشريعات السارية. واختتم خليفة حديثه بالتأكيد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص كنهج ضروري لمعالجة التحديات الاقتصادية وتحفيز النمو، أسوة بما هو معمول به في دول العالم.
وفي مداخلة عقّب فيها الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، على أن وزارة المالية لا تزال في طور جمع بيانات أصول الدولة الفلسطينية، متوقعًا بدء مساءلة جدية في العام القادم بشأن حصر هذه الأصول. وأوضح أن الفصل بين الجهات المقدمة والرقابية في قطاعات الكهرباء والمياه يعد سياسة صحيحة لدعم الحوكمة وتجنب تضارب المصالح، لكنه انتقد ضعف تنفيذ هذه السياسات بما يزيد من فرص الفساد. كما أشار إلى مجموعة من المشاكل التي تكتنف تعيين مجالس الإدارة في الشركات الحكومية، مع تعرّض شركات تابعة لصندوق الاستثمار الفلسطيني لخسائر، وغياب إرادة فعلية لمتابعة أصول الشعب الفلسطيني أو مراقبة أداء الشركات المملوكة له، رغم تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التي أوضحت ذلك، ما يستدعي متابعة حثيثة لها مع إرادة جديّة لمعالجة ذلك.