الديانة الإبراهيمية: قراءة في الجذور والفكر والواقع

يشكل مصطلح "الديانة الإبراهيمية" إطارًا جامعًا لثلاث من أكبر الديانات في العالم: اليهودية، والمسيحية، والإسلام. وقد استُخدم هذا المصطلح للإشارة إلى اشتراكها في الانتماء إلى شخصية محورية هي النبي إبراهيم، الذي يُعتبر أبًا روحيًا ورمزًا للتوحيد في تراثها. وبينما يربطها خيط عقائدي مشترك، فإنها تختلف في تفاصيل العقيدة والشريعة والرؤية الكونية، مما يجعل "الإبراهيمية" موضوعًا مركبًا يجمع بين الوحدة والتنوع..
تعود أصول "الإبراهيمية" إلى شخصية إبراهيم الخليل، الذي عاش بحسب الروايات الدينية في الألفية الثانية قبل الميلاد. وقد قدمته النصوص كرمز لكسر الأصنام ونبذ الشرك، ومؤسسًا لتقليد يقوم على الإيمان بإله واحد.
ففي التوراة، يُصوَّر إبراهيم بوصفه الأب الأول لبني إسرائيل عبر ابنه إسحاق، اما في الإنجيل، يُبرز دوره كرمز للإيمان الذي يبرر الإنسان أمام الله، حسب نصوص القرآن الكريم، فإبراهيم يُلقَّب بـ "أبي الأنبياء" و"حنيفًا مسلمًا"، ويُعد نموذجًا للتوحيد الخالص.
تعتمد الديانة الابراهيمية على الرسالات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية: أقدم الديانات الإبراهيمية، تركز على العهد بين الله وبني إسرائيل، والشريعة التي أعطاها الله لموسى، المسيحية التي انطلقت من رحم اليهودية، لكنها جعلت الخلاص مرتبطًا بالإيمان بيسوع المسيح باعتباره ابن الله والمخلّص، واخيراً الإسلام: جاء مكمّلًا للتقاليد السابقة، واعتبر نفسه خاتم الرسالات الإبراهيمية، مؤكدًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء مجددًا لعهد إبراهيم.
اما المرتكزات المشتركة رغم الاختلافات فان الديانات الثلاث تجمع عدة أسس، التوحيد (الايمان باله واحد خالق، النبوة حيث ان الله يرسل انبياء لهداية البشر، الوحي المتمثل في الكتب السماوية المقدسة (التوراة، الانجيل والقرآن)، الأخلاق التي تدعو إلى الصدق، العدل، الرحمة، وحماية المستضعفين، واخرها العبادة المتمثلة في الصلاة، الصوم، وبقية الطقوس التعبدية.
رغم كل ما سلف فهناك أوجه الاختلاف في العقيدة، مفهوم الله يختلف، فاليهودية تؤكد على وحدانية صارمة، والمسيحية تقدم عقيدة الثالوث، بينما الإسلام يؤكد التوحيد الخالص، اما الشريعة اليهودية مرتبطة بالشريعة الموسوية، المسيحية ركزت على النعمة أكثر من الطقوس، الإسلام قدّم شريعة شاملة للحياة، اما بخصوص الممارسات: تختلف الأعياد والطقوس، مثل السبت اليهودي، والقداس المسيحي، وصلاة الجمعة والأعياد الإسلامية.
أسست الديانات الإبراهيمية منظومات قيمية كبرى أثرت في الحضارة الإنسانية. فقد شكلت اليهودية هوية قومية ودينية متماسكة، وأسست المسيحية حضارة غربية واسعة، بينما أسس الإسلام حضارة كونية امتدت من الأندلس إلى الصين.
كما أن فكرة "إله إبراهيم" أصبحت من أبرز التصورات الدينية التي ساهمت في تشكيل مفهوم الوحي والتاريخ المقدس في العالم، اما الإبراهيمية الحديثة في العقود الأخيرة، برز مفهوم "الإبراهيمية" كأداة سياسية وثقافية في سياق حوار الأديان، وأحيانًا كغطاء لمشاريع جيوسياسية، مثل "اتفاقات إبراهام" التي استُخدمت لتبرير التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، ويرى البعض أن هذا التوظيف يحمل بعدًا استعماريًا جديدًا، إذ يُستخدم الدين لشرعنه ترتيبات سياسية، بينما يرى آخرون فيه فرصة لتعزيز الحوار والتسامح.
في الختام نستطيع الجزم انه وبالرغم من ان الديانة الإبراهيمية ليست مجرد تصنيف تاريخي لثلاثة أديان، بل يمكن ا ن تكون إطار حضاري وروحي أثّر بعمق في البشرية. وبينما يجمعها إيمان مشترك بالله الواحد وإرث إبراهيم فان هناك من يريد توظيفها لإنجاز المشروع الاستعماري والقاضي بتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة،حيث ان استخدام الديانة الابراهيمية كميدان للصراع لا يخفى على أحد.
ان الدول الطامعة في انجازمشروع الشرق الأوسط الجديد وضمن المفهوم الصهيوني تحاول استخدام الديانة الابراهيمية كغطاء ديني لبسط سيطرة إستعمارية على المنطقة العربية تنفيذا لمشاريع سياسية طُرحت ليس أولها مشروع برنارد لويس ولا خطط النورانيين ولا اخرها مشروع نتنياهو ترامب حول الشرق الأوسط الجديد. فهل تفيق الامة من سباتها وتبحث عن وحدة تكاملية لشرق اوسط جديد لكن ضمن مفهوم قومي تحرري يحول دون تجسيد اسرائيل الكبرى عبر بوابة الدين .