الصِحافةُ الفلسطينيةُ تحتَ الاحتلال 1968-1993 

2025-04-28 14:35:42

*** 

 

شهدت فلسطين منذ العام 1871 ميلادية حتى العام 1987 حركة صحفية نشطة ومتطورة، فقد صدرت في فلسطين،كما سجّلت ذلك الموسوعة الفلسطينية / الجزء الثاني:214 مطبوعة صحفية منذ العام 1871 – 1968.ولعلّ أول مطبوعة تنطبق عليها الشروط الصحفية كانت صحيفة "القدس الشريف" التي صدرت العام 1876 والتي كان يحررها الشيخ علي الريماوي وعبد السلام كمال (انظر مجلة بلسم،العدد 142،صفحة 109 - 110).  

ومع مطلع القرن العشرين ازدهرت الصحافة في فلسطين بصدور العديد من الصحف.وقد كانت معظم الصحف والمجلات تصدر في المدن الساحلية المتخارجة كيافا وحيفا،وبعضها كان يصدر في القدس،والمدن التي أصبحت فيما بعد ضمن كيان إسرائيل،ومن تلك الصحف: فلسطين،والكرمل،وصوت الشعب،والاتحاد،والصراط المستقيم،والجديد،والدفاع،وغيرها الكثير.وبعد النكبة تلاشت بعض تلك الصحف وبقي بعضها كالاتحاد والجديد في حيفا، وانتقل بعضها إلى مدينة القدس،وبعضها هاجر إلى شرقيّ الأردن،إلى عمّان. 

 ومنذ العام 1948 حتى العام 1967 عرفت الضفة الغربية عدّة صحف ومجلات منها المنار، الجهاد،فلسطين،الدفاع،الأفق الجديد،"الجيروزالم ستار"بالإنجليزية..وغيرها. 

 وقبل حرب حزيران 1967 ببضعة شهور أصدرت الحكومة الأردنية،قراراً يقضي بتأميم الصحف،فاندمجت صحفيتا الجهاد والدفاع بصحيفة واحدة سمّيت "القدس".وبعد حرب حزيران 1967 توقّفت كل الص.وفي العام 1968 عادت صحيفة القدس بالصدور،تلتها بعد أربع سنوات "الشعب" فـ"الفجر"..وانتشرت المجلات والمكاتب الصحفية والجرائد.  

وقد لجأت الدوائر الإسرائيلية الحاكمة،إثر احتلال الضفة والقطاع والقدس1967،إلى إطلاق أوصاف متباينة على الصحافة في الأراضي المحتلة،فمن ناحية ولأغراض الدعاية،تتحدث هذه الدوائر عمّا تسميه ب"حرية الصحافة"،وتسوّق ذلك للتدليل على التحسين المزعوم لظروف المعيشة في الضفة الغربية وقطاع غزة،ومن ناحية ثانية،وعندما تشتد الأمور،وتتلبّد الغيوم،تبرز إلى السطح أوصاف أخرى تتطابق أكثر مع وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية،تعتبر الصحافة الوطنية في الأراضي المحتلة "أداة للتحريض" و"بؤرة للدعاية المعادية لإسرائيل"،وعادة ما يُستخدم هذا الوصف لتبرير الاجراءات المتّخذة ضد الصحف والصحفيين.  

وفي كلا الحالتين أي اعتبار الصحافة العربية "دليل تحسين" (لخدمة الأغراض الدعائية الاسرائيلية) أو"أداة تحريض" (بهدف اتخاذ إجراءات ضدها) فإن السلطات الاسرائيلة تعترف بشكل أو  بآخر،بفشل سياستها التي استهدفت إيجاد صحافة تابعة في ظل الاحتلال. 

لقد ابتدأت هذه السياسة في مطلع السبعينيات حيث سهّلت السلطات الاسرائيليه إصدار تصاريح للصحف بهدف إضفاء حالة التطبيع على الوضع القائم،ومحاولة إظهار الاحتلال بمظهر "ليبرالي" كما استهدفت أيضا من وراء تلك السياسة اجتذاب بعض أوساط المثقفين، ومحاولة خلق ركيزة اجتماعية متعاونة مع الاحتلال،ولذلك فلم تستخدم القيود الإدارية ضد توزيع الصحف في الأراضي المحتلة وكانت الرقابة عليها أخفّ نسبيا..لكن التطورات اللاحقة أثبتت خطأ التقديرات الرسمية الاسرائيلية،وأدى تصاعد الحركة الجماهيرية المعادية للاحتلال،وتفاعل الصحافة الوطنية الفلسطينية مع هذه الحركة إلى نشوء وضع جديد،لا يتماشى مع رغبات السلطات الاسرائيلية،وكان أبرز مثال على ذلك نجاح الحملة ضد اتفاقات كامب ديفيد والحكم الذاتي،واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. 

ونتيجة لذلك دخلت الصحافة في الأراضي المحتلة،مثلها،مثل مجموع الحركة الوطنية الفلسطينية،مرحلة جديدة في مواجهة ما أسمته سلطات الحكم العسكري(وهو ما يعرف حتى الآن) بسياسة"اليد الحديدية". 

وفي محاولة لتقديم صورة أوضح عن موقف السلطات الاسرائيلية من الصحافة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة،نقتبس فيما يلي بعض الفقرات الهامة التي وردت في مقال بقلم الدكتور"إيلي ريخس" ظهر في مجلة وزارة الدفاع الاسرائيلية وأعادت نشره صحيفة جيروزلم بوست بتاريخ 22 نيسان 1987. 

يتحدث د.ريخس عن الصحافة الوطنية الفلسطينية ودورها السياسي في الأراضي المحتلة بمعزل عن جميع القيود والاجراءات وقوانين الرقابة العسكرية المفروضة عليها،وإنما يحاول الدفاع عن هذه القيود والاجراءات بدعوى"أن هذه الصحافة هي صحافة تعبوية وموالية لمنظمة التحرير "و"هذا ما زاد من حدة التوتر في علاقاتها مع السلطات الاسرائيلية"،على حد قوله.  

وفي معرض إجابته على السؤال،إلى أيّ مدى تعكس الصحافة في الأراضي المحتلة وتمثل المواقف السياسية للسكان،يقول:"إن وجود عدد كبير من النشرات التي تدعم منظمة التحرير يعطي انطباعا وكأن هناك إجماعا وطنيا يؤيّد مواقف المنظمة.."  

وتجدر الاشارة هنا،إلى أن د. إيلي ريخس عندما يتحدث عن سيطرة منظمة التحرير على الصحافة الوطنية يشير أيضا إلى إزدياد أهمية الصحافة في الأراضي المحتلة وإلى أن هذه الصحافة في الأراضي المحتلة وإلى أن هذه الصحافة أصبحت أكثر تعبيراً عن هويتها الفلسطينية،كما أنه يعترف في نفس الوقت،بفشل المحاولات الاسرائيلية لإيجاد صحافة تابعة أو موالية للاحتلال. 

وقلنا؛إن سلطات الاحتلال،وبعد أن هيمنت على ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية عشيّة الخامس من حزيران1967،سمحت للفلسطينيين بإصدار الصحف  والمجلات،فهل كان ذلك   

حتى تظهر إسرائيل وكأنها دولة "ديمقراطية"؟قد يكون ذلك سبباً تسويقيّاً لذرّ الرماد في العيون! غير أن السبب الرئيس يتمثّل في أن دولة الاحتلال لا تريد للشعب الفلسطيني أن يجترح أشكالاً سرّيّة للتعبير عن وجهة نظره،لهذا فتح الاحتلالُ هامشاً للفلسطينيين حتى يسمح لهم بإظهار آرائهم وتوجّهاتهم وأحلامهم،وتكون تحت ناظريه وعلى طاولته وتحت مجهره..وبالتالي يعرف الاحتلالُ بماذا يفكّر الفلسطينيون،ثمّ إن الاحتلال سيفرض على هذه الصحافة رقابته الشرسة وسيعمل على تفريغ الصحافة من محتوياتها النضالية والسياسية،وسيكشف توجّهات الصحفيين ومواقفهم الحقيقية،وبالتالي سيعمل على ملاحقتهم بالاعتقال أو الإبعاد أو القتل أو التشويه،ولديه ذرائعه في ذلك،إذ يستند،في إجراءاته تلك،على "قانون" هو قانون الطوارئ.وينص البند 39 من هذا القانون على:"(أ) - في حالة الطوارئ،تستطيع الحكومة إصدار أنظمة وأوامر طوارئ لغرض حماية الدولة،حماية أمن الجمهور وضمان تزويد الخدمات والسلع الحيوية. (ب) -إذا رأى رئيس الحكومة أنه يتعذر التئام الحكومة وأن الحاجة ماسة وملحة لإصدار أوامر طوارئ،فإن بإمكانه هو أن يصدرها،أو أن يخول وزيرا صلاحية إصدارها.(ج) - اعتمادا على أنظمة الطوارئ، يمكن تغيير أي قانون،إلغاء مفعوله مؤقتا أو تضمينه شروطا، فضلا عن فرض ضرائب جديدة أو زيادة ضرائب قائمة،إلا إذا نص قانون آخر على خلاف ذلك".واستنادا إلى هذا النص القانوني،تعيش دولة إسرائيل "حالة الطوارئ" المتواصلة منذ قيامها،قبل 77 عاما،وحتى اليوم (على الأقل!)،إذ درج الكنيست على تمديد (إعلان مجدد) حالة الطوارئ في كل سنة،بصورة أوتوماتيكية،لسنة إضافية أخرى،حتى أن الحكومة لم تجد حاجة إلى استخدام صلاحيتها القانونية بإعلان حالة الطوارئ بنفسها،ولو مرة واحدة 

لماذا "الطوارئ"؟ 

كما هو بيّن من نص القانون،يمنح إعلان "حالة الطوارئ" السلطات الحكومية صلاحيات واسعة جدا تحت ستار "حماية أمن الدولة والجمهور وضمان تزويد الخدمات والسلع الحيوية".لكن الحقيقة أن الإبقاء على "حالة الطوارئ" لا ينبع من حاجة موضوعية إليها، ذلك أن الظروف الموضوعية التي استدعت إعلانها في العام 1948 (من وجهة النظر الإسرائيلية) لم تعد قائمة بعد.وعليه، فإن إعلان هذه الحالة يرمي إلى تحقيق غايتين عمليتين أساسيتين:الأولى - صلاحية إصدار أنظمة وأوامر الطوارئ، والثانية - ضمان سريان مفعول العديد من القوانين التي جرى سنّها على أساس "الطوارئ"،وبالتالي فإن سريانها مشروط بوجود "حالة الطوارئ".ومعنى هذا أن إلغاء "حالة الطوارئ" (عدم إعلانها) يعني إلغاء هذه القوانين وانتهاء العمل بها. 

هذه القوانين  تشمل ما هو متعلق بالقضايا الأمنية،مباشرة،ومنها:قانون أمر منع الإرهاب،أمر تمديد مفعول أنظمة الطوارئ (وهو القانون الذي يُمنع بموجبه مواطنون - عرب،في الغالب - من مغادرة البلاد)،قانون وضع اليد على أراض في حالة الطوارئ (تثبيت مؤسسات الدولة في القدس)،قانون صلاحيات الاعتقال في حالات الطوارئ (وهو القانون الذي يتم بموجبه إصدار أوامر الاعتقال الإداري)،قانون منع التسلل،قانون تسجيل آليات وتجنيدها للجيش (وهو قانون يتيح وضع اليد على آليات ومركبات خصوصية وتشغيلها في خدمة الجيش)، وقانون صلاحيات التفتيش في حالات الطوارئ وغيرها.ومن بين هذه القوانين،أيضا،أخرى لا علاقة مباشرة لها بالقضايا الأمنية،منها:قانون ساعات العمل والراحة (الذي يتيح إلزام العمال في القطاعات المختلفة بالعمل ساعات إضافية)،وقانون الرقابة على السلع والخدمات (الذي يتيح إصدار أوامر عمل إلزامية لعمال يعلنون إضرابات عمالية) وغيرهما. 

وقوانين الطوارئ هي قوانين انتدابية بريطانية منذ العام 1945.عملت بريطانيا الاحتلالية، وليس الانتدابية،على تطبيقها بصورة ساديّة على الشعب الفلسطيني،بل اخترعتها لتكون قيوداً وسياطاً وآليات لحشر الفلسطينيين في جحيم مقيم.وجاءت دولة الاحتلال وبعثت هذه القوانين البائدة وأنعشتها وطوّرتها واعتمدتها وأعادت إنتاجها على شعبنا دون رحمة،أو التفات إلى تعارضها مع القوانين والشرائع الدولية وحقوق الإنسان المرعيّة في العالم. 

وتعني الرقابة العسكرية على الصحافة،أنها تخلق "رقيباً" داخل عقل الصحفي الفلسطيني، وسيبدأ بمراقبة نفسه،وسيتحاشى كتابة ما يُغضب المراقب العسكري الاسرائيلي،الذي هو رجل أمن بالفعل..ومع الوقت يصبح الصحفي مُستأنَساً ومُدَجّناً وعلى مقاس الهامش الذي يسمح به الرقيب.وهذا ليس قدراً لكنه واقعٌ بالضرورة. 

والرقابة تعني أن الصحفي والكاتب سيلجأ بالضرورة إلى الترميز والمجاز،ما يجعل "نصّه" يقع في دائرة الإبهام أو الغموض.أو سيلجأ الكاتب الفلسطيني إلى الكتابة تحت اسمٍ مُستعار .وكان واضحاً أن كلّ شيء ممنوع ويجب مراقبة كل شيء من الكتابة إلى الألوان إلى الرسومات إلى شكل الصفحة (المونتاج) إلى العناوين..أي على الصحيفة أن تقدّم للرقيب كل ما سيصدر من منشورات،بصيغته النهائية،إلى الرقيب.وكان "طبيعياً" ومتوقَّعاً أن يشطب الرقيبُ الصورةَ أو الرسمة أو يشطب أجزاء من السطور..الأمر الذي سيفقد الكتابة جدواها ومعناها،فيضطر الصحفي الفلسطيني لإعادة الكتابة لجعلها معقولة وتصلح للتلقّي،ويعيد إرسالها للرقيب الذي ،غالباً،ما يكرر الشطب والعبث بالنصّ المكتوب..وهكذا حتى يتأخّر إصدار المطبوعة تبعاً لمزاج الرقيب واشتراطاته المعجزة السوريالية. 

وكثيراً ما يتمّ استدعاء الكاتب أو المحرر أو رئيس أو سكرتير التحرير  للتحقيق معهم وإرهابهم والتلويح بقطع أرزاقهم وملاحقتهم..وهذا انعكس سلباً على مضامين الصحافة الفلسطينية، الأمر الذي يُفسّر غياب العديد من الموضوعات أو خفّة المنشور وسطحيته أو تناوله من زاوية ساذجة أو مبتورة. 

ولعلّ الناظر إلى ذلك الكمّ غير البسيط من الصحف والمكاتب والمجلات،التي صدرت آنذاك،يظن أن الصحافة في حلٍّ من أمرها،وأنه لا توجد أيّ عقبات أمام إنشاء أو إصدار أي مكتب أو صحيفة أو مجلة من قبل السلطات الإسرائيلية،غير أنّ الاحتلال الإسرائيلي،ومنذ الأيام الأولى من احتلاله للضفة والقطاع قد عمد إلى ترويج البرامج الإعلامية،التي من شأنها أن تفقد المواطن الفلسطيني ثقته بالعالم العربي وبنفسه،وتشوّه الحقائق والمعايير،وتقلب الأمور رأساً على عقب،وتغذّيه بما تراه مناسباً من ثقافة الاحتلال عبر وسائل إعلامها وبتركيز كبير معتمدة على قانون التكرار.  

كما عمد الاحتلال إلى ربط الفلسطيني بالمؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية،وإلى هدم البنية التحتية الفلسطينية حتى تسيطر عليه اقتصادياً كمقدمة للسيطرة عليه ثقافياً وإعلامياً وجرّه إلى مصادر الاحتلال وفلسفته.بالإضافة إلى أنّ الاحتلال قام بتغيير أسماء المواقع الجغرافية وأعطاها مسميات جديدة مغايرة للواقع والتاريخ،وفرض على الصحف والمجلات والنشرات الصحفية الوطنية التداول بالأسماء الجديدة لتثبيت سياسة الأمر الواقع،وترسيخ هذه المسميات في ذهن الجيل الجديد لينسى موطنه وقضيته وشاهد إثباته على حقه التاريخي.   

قد يكون معلوماً أن الصحافة الفلسطينية تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة اعترضها مشكلات وعوائق كان من شأنها أن تقضي على الصحافة وتلغي دورها الوطني والإنساني،ولعلّ أهم تلك العوائق هي الرقابة العسكرية المستمدة من قوانين الطوارئ البريطانية البائدة لعام 1945،والتي تفرض على أصحاب الصحف والمجلات ومكاتب الصحافة ما يلي:  

أ - أن يقدّموا للرقابة وقبل النشر أيّ مادة تتعلق "بأمن الدولة"،و"السلامة العامة"،و"النظام العام" في إسرائيل أو في الضفة والقطاع. 

ب - إنّ واجب تقديم المادة للرقابة المسبقة على النحو المذكور يسري على أيّ مادة مكتوبة بما في ذلك الإعلانات كما يسري على الخرائط، والمخططات،والصور،والكاريكاتيرات،وعلى أيّ كتابات أخرى.  

ج - ينبغي تقديم إيضاحات وعناوين أو ملاحظات للصور أو الخرائط أو الكتابات أو الكاريكاتيرات،أو المخططات.  

د - يجب أن تقدم للرقابة على النحو المذكور أيّ مادة سبق أن أجيزت في السابق،بما في ذلك الصور التي تسمح بها في مناسبات سابقة والتي حملت ختم الرقابة.  

هـ - لا يجوز نشر أنباء مختلفة في الصحيفة بجانب بعضها البعض إذا ما كان جمعها بهذه الصورة قد يؤدي إلى الكشف عن أمر لا يجوز نشره دون إذن،وقد يؤدي إلى المسّ بسلامة الجمهور والنظام العام في إسرائيل أو في الضفة والقطاع.  

و - إن مصدر النبأ ليس من شأنه أن يصبح مسموحاً به من ناحية الرقابة،كما أن المادة المنقولة عن جهات رسمية أو أمنية،إذا ما تتعلق بأمن الدولة والسلامة العامة والنظام العام في إسرائيل أو في الضفة والقطاع تحتاج إلى رقابة مسبقة.  

ز - الأنباء المقدمة كاقتباس عن مصادر أجنبية وعن وكالات أو صحف عالمية،تنظر إليها الرقابة كاقتباس صحيح ودقيق بمضمونه.وإذا ما سمح بنشر الأنباء المذكورة واتضح بعد ذلك أن الاقتباس لم يكن دقيقاً،فإن المسؤولية عن الضرر الأمني وعن المسّ بالسلامة العامة والمسّ بالنظام العام،تقع على المحرر المسؤول.  

ح - لا يجوز ترك بقع بيضاء أو مسافات أخرى تدل على أعمال شطب من الرقابة.  

وعلى ما يبدو فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بفرض قوانين الرقابة الصارمة التي تؤدي إلى تأخير صدور المطبوعة وإلى فتور الأخبار أو منع نشرها أو تشويهها،عن طرق الحذف العشوائي منها أو تأخير الموافقة على نشرها،اتخذت عدّة إجراءات،وقامت بجملة ممارسات استهدفت القضاء على روح الصحافة الوطنية والصحفيين الوطنيين الفلسطينيين،كمنع التوزيع،والملاحقة والاعتداءات المتكررة.  

ومن الأوامر العسكرية الأخرى التي تحظر التوزيع والنشر،الأمر العسكري رقم 101 لعام 1967 الذي يحظر القيام بأي نشاطات تحريضية أو دعاية معادية،والأمر العسكري رقم 379 لعام 1970 الذي يخوّل أي شخص (إسرائيلي) مسؤول صلاحية مصادرة أي نشرة توزع في الضفة الغربية بدون إذن من الحكم العسكري،والأمر العسكري رقم 862 لعام 1980 الذي يوضح الأمر العسكري 379 ..وبالتأكيد بأن أي نشرة أو كتاب لم يرد ذكرها في قائمة الممنوعات لا يسمح بتوزيعها في المنطقة ما لم يحصل على إذن بذلك.والأمر العسكري 938 لعام 1982 الذي يوسع صلاحيات الأمر العسكري رقم 50 ،ويعرف عبارة النشرة الممنوعة "بأنها تشمل الطباعة والبيع والشراء والتوزيع ..الخ،كما يحظر توزيع أي نشرة "ذات أهمية سياسية".والمادة 94 في قوانين الطواريء الانتدابية تمنع إصدار أو طباعة أي نشرة بدون ترخيص.  

والمادة 100 في قوانين الطواريء تخوّل الرقيب العسكري صلاحية منع أو وقف صدور أي صحيفة لأي فترة من الزمن.  

وخلال السنوات 1968- وحتى 1993،اتخذت السلطات الاسرائيلية مجموعة كبيرة من الاجراءات ضد الصحف في الأراضي المحتلة يمكن استعراض بعضها كما يلي:  

_ في صيف العام 1985 ،أصدر الحاكم العسكري للضفة أمرا جديدا يلزم الصحف العربية بنشر إعلانات الإدارة الاسرائيلية المدنية،دون مقابل،وإلا فإنها ستمنع من التوزيع في الضفة والقطاع، وقد عرف هذا الأمر العسكري بالأمر 1140 .  

_ تعتبر الأوامر العسكرية الصادرة ضد الصحف نهائية ولا يمكن نقضها وخاصة بالنسبة لأوامر إغلاق الصحف.  

_ وابتدأت ملاحقة الصحفيين تأخذ أبعادا جديدة؛فقد تم استدعاء عدد من الصحفيين للتحقيق بموجب قانون "تامير" وبدعوى أن مقالاتهم المنشورة تتضمن عبارات تؤيد منظمة التحرير .ومن أشكال الاستهداف المباشر للصحفيين الفلسطينيين والأجانب؛  

إطلاق النار صوبهم.وسحب البطاقات الصحفية من الصحفيين والإعلاميين ومنعهم من دخول بعض القرى والمناطق؛بذريعة أنها مناطق عسكرية مغلقة.الاعتداء على المؤسسات الإعلامية والصحفية،كما يحدث دائماً من قصف بالصواريخ،وتحطيم للأجهزة ومصادرة للمحتويات.وكانت اغلاقات المؤسسات الإعلامية المؤقت والدائم،ومنع توزيع الصحف،وإبعاد الصحفيين خارج البلاد،واختفاء وقتل عدد من الصحفيين في ظروف غامضة،ولم تحرك سلطات الاحتلال ساكناً للبحث عنهم أو لشرح ملابسات قتلهم،ما يشير إلى تورّطها في ذلك..وثمة الاعتقالات الإدارية التي طالت العشرات من الصحفيين.  

أمّا الاعتقالات لمدد مختلفة والغرامات المالية،والأحكام مع وقف التنفيذ،فإنّه لا يوجد صحفي إلّا واعتقل أو حُقّق معه أو فُرضت عليه الغرامات والأحكام.  

وأما الإقامات الجبرية؛فهناك عدد كبير من الصحفيين فرضت سلطات الاحتلال عليهم أوامر الإقامة الجبرية في مدنهم أو قراهم أو مخيماتهم،مع إثبات وجودهم اليومي في مركز شرطة المنطقة التي يقطنون فيها،كما منعتهم من مغادرة منازلهم ما بعد الساعة السادسة مساءً.هذا عدا عن أنّ السلطات الإسرائيلية تعتقل العديد من الصحفيين لعدّة ساعات وتحقق معهم، وتحطّم كاميرات تصوير الصحفيين وتستولي على ملاحظاتهم وأفلام كاميراتهم، وتمنعهم من التصوير. والسلطات الإسرائيلية تمنع معظم الصحفيين من السفر ومغادرة الأرض المحتلة وخصوصاً عبر الجسور،كما وتمنع العديد منهم من حضور المناسبات والمهرجانات والاجتماعات بأوامر مسبقة من الحكّام العسكريين.ولعلّنا لا ننسى أن نذكر الحملات المحمومة التي يقوم بها المتطرفون اليهود ضد المؤسسات الصحفية،والهجمات التي تعرضت لها بعض هذه المؤسسات وتحطيم محتوياتها،وإرسال رسائل التهديد للقائمين على الصحف والمجلات وتوبيخهم ومداهمة مقار المؤسسات وتفتيشها بشكل فظ تخريبي،الأمر الذي يتناقض مع مفاهيم الديمقراطية المُعلن عنها وظواهرها.  

بقي أن نقول إنّ الشرطة الإسرائيلية تستطيع أن تحاكم أي صحفي أو كاتب على ما كتبه حتى لو سمحت الرقابة العسكرية بنشره.كما أن الشرطة الإسرائيلية تفسّر ما تنشره الصحف والمجلات الوطنية كما يحلو لها وتعطي المكتوب المنشور أبعاداً وتفسيرات لا تخطر على بال،ولا تحتملها المادة المنشورة،ما يعني أنّ كل الصحفيين تحت طائلة المحاكم والتفتيش والسجن والتحقيق..وهم سجناء ومبعدون مع وقف التنفيذ.  

كما أنّ المؤسسات والمكاتب الصحفية مغلقة ومداهمة مع وقف التنفيذ.(راجع مجلة العودة العدد 93،صفحة 19-20.والتقرير السنوي الذي أصدرته رابطة الصحفيين العرب،نشرة لمرة واحدة "أيار 1984 – كانون الأول 1986"،والصحفي الفلسطيني/ نشرة لمرة واحدة "حزيران 1982"،والصحفي/ العدد الأول "تموز 1985"،وكتابنا "القدس في الصحافة").