قاعة أحمد الشقيري في المقاطعة!

2025-04-26 14:17:06

القاعة التي تعقد فيها كل الفعاليات المحببة للرئيس محمود عباس، والمسيطر عليها بما في ذلك مؤتمرات فتح والاجتماعات المتباعدة للمجلس المركزي الذي تميز آخر اجتماع له بمقاطعة واسعة النطاق من قبل فصائل مقاطعة أصلاً كحماس والجهاد، وفصائل من صلب منظمة التحرير كالشعبية والديموقراطية والمبادرة، مع المسامحة بفصائل دمشق.

أجيال متعاقبة ولدت ونمت وشاخت منذ تأسيس منظمة التحرير واعتماد الزعماء العرب للمحامي أحمد الشقيري الديبلوماسي المخضرم، رئيساً لها بقرار قمة.

أُطيح بالشقيري من جملة من أطاحت بهم هزيمة حزيران، إذ كان هدفاً نموذجياً لتحميله بعض مسؤولية عما حدث، إضافة إلى سهولة الاستغناء عنه وفقاً لقاعدة ثابتة مفادها "من أتى به يملك التخلص منه".

في عهد عرفات طويل الأمد، كاد اسم الشقيري ينسى تماماً إذ لم يجري تداوله على أي مستوى فلسطيني أو عربي أو دولي، إلى أن آلت الأمور لمحمود عباس، الذي هو ثالث اثنين سبقوه، فأعاد الاعتبار للشقيري بأن سمّى قاعة المؤتمرات الرسمية باسمه، وقليلون يعرفون أن عبّاس لا يشارك الشقيري فقط في رئاسة المنظمة بل يشاركه اللقب، فالشقيري هو أبو مازن القديم وعباس أبو مازن الراهن.

آخر فعالية شهدتها قاعة أبو مازن القديم، تحت رئاسة أبو مازن الراهن، كانت الدورة الثانية والثلاثين للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، والمجلس إطارٌ لم يكن موجوداً في عهد الشقيري، بل وجد في عهد عرفات كحلقة وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، وقد أملى وجود هذا الإطار صعوبة عقد المجلس الوطني، الذي يعد أعضاؤه بالمئات، وسهولة انعقاد الحلقة الوسيطة الأقل عدداً والأقل إحراجاً لأي دولةٍ ينعقد في ضيافتها.

بعد أن عادت المنظمة على جناح الطائر غير الميمون أوسلو، إلى أرض الوطن، صار ممكناً عقد المجلس ولكن على روزنامة محمود عباس وحاجته السياسية والقيادية لعقده.

في قاعة أحمد الشقيري، وكعادة الطبقة السياسية الفلسطينية تُليَ جدول أعمال الدورة الثانية والثلاثين، وكان كثير البنود عظيم الصياغة، وكأن الدورة ستخرج الحالة الفلسطينية من مآزقها، بينما الهدف الحقيقي لها هو استحداث منصب نائب لرئيس المنظمة، وهو منصب كان معمولاً به زمن أبو مازن القديم، واستؤنف العمل به في أوائل عهد عرفات، ونظراً لاستحواذ الرئيس الفدائي على صلاحيات نائبه، وكل من يعمل معه، فقد استقال النائب إبراهيم بكر محتجاً على وضعه، واستقال معه المنصب الذي أعاد استحداثه أبو مازن الراهن.

الرئيس محمود عباس لو كان متأكداً من أن وجود نائب لرئيس المنظمة أمراً ضرورياَ وأساسياً في بنية النظام الفلسطيني، لعمل به منذ الأيام الأولى لولايته، مع أن اجتماعات عديدة للمجلس الوطني والمركزي عقدت في عهده، ولم يتم مجرد اقتراح بهذا الصدد.

الرئيس عباس معروف بصراحته غير المألوفة عن غيره، بالبوح فيما يجول داخل نفسه من انفعالات، فهو يبوح بشكواه التي يفسر بها شعوره المرير بالخذلان خصوصاً من جانب أمريكا التي خاطبها أكثر من مرة بعبارة "رضينا بالهم ولم يرضى بنا: واستصرخها ألف مرة ولو بغلاف المجتمع الدولي "احمونا"، ونظراً لشعوره العميق بالخذلان لم يترك مفردة إلا واستخدمها حتى أنه خاطب ترمب بـ "يخرب بيتك".

وفي الاجتماع الأخير بدا حانقاً على حماس، وبلغ انفعاله على إطالة أمد لعبة الرهائن والتبادل، وما تنتجه من ضحايا مستوىً لم يسبق أن بلغه في كل خصوماته مع الآخرين وخصوصاً الفلسطينيين منهم.

لسوء الحظ أن مفردة نابيةً استخدمها في وصف موقف حماس، استحوذت على اهتمام كل من شاهد وسمع، وكأنه لم يقل غيرها في خطابه الطويل.

انتهى اجتماع قاعة الشقيري، إلى قرارٍ يشبه نتائج الانتخابات النيابية المسيطر عليها في بعض الدول، حيث التسعات الثلاثة، هي الرقم الثابت وفي قاعة الشقيري تفوّق الرقم الفلسطيني على كل ما سبقه من تسعات، حيث بلغ المائة بالمائة، باستثناء صوتٍ واحدٍ معترض وصوت آخر ممتنع.

رحم الله أبو مازن الشقيري، ورحم الله ياسر عرفات القديم والحاضر حتى بعد الممات، وسقا الله العهد الذهبي لمنظمة التحرير التي شهدت قاعة الشقيري آخر اجتماع فيها لإطارٍ كان مقاطعوه أكثر من الحاضرين فيه.