إطلاق أول مختبر بحثي وطني في عدالة الأطفال بدولة فلسطين

في سابقة بحثية وطنية نوعية، أُطلقت الورشة البحثية التخصصية في مجال عدالة الأطفال على مدار أربعة أيام، ضمن مختبر بحثي وطني يقوده نخبة من الأكاديميين والخبراء في القانون وحقوق الإنسان.
ويأتي هذا المختبر في إطار مشروع بحثي رائد تقوده الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال– فلسطين، بتمويل من جامعة كورك الإيرلندية وشبكة ACORN، وبالشراكة مع خمس جامعات فلسطينية متميزة: جامعة النجاح الوطنية، وجامعة بيرزيت، وجامعة القدس، وجامعة فلسطين الأهلية، وجامعة الخليل. ومع الجهات الرسمية الشريكة: إدارة حماية الأسرة والأحداث التابعة للشرطة الفلسطينية، ودائرة حماية الطفولة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، ونيابة الأحداث، وقضاة الأحداث، حرصاً على تعزيز التكامل بين الشركاء في النهوض بعدالة الأطفال على المستوى الوطني، وفي سياق النزاعات المسلحة والاحتلال الحربي، ضمن مسار بحثي تطبيقي شامل.
ويهدف المشروع إلى بناء مجتمع بحثي تخصصي مُستدام في مجال عدالة الأطفال، يمزج بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية، ويُعزز التأثير البحثي في السياسات والتشريعات والممارسات العملية الخاصة بعدالة الأطفال في فلسطين.
وخُصص هذا المختبر البحثي المكثف لتدريب عشرة باحثات وباحثين من الأساتذة المتفرغين في الجامعات الفلسطينية الشريكة وفق معايير اختيار تضمن جودة الأبحاث التخصصية واستدامة الأثر الأكاديمي والعملي، بمشاركة فاعلة من مؤسسات قطاع العدالة: مجلس القضاء الأعلى، ومكتب النائب العام، والشرطة الفلسطينية، ووزارة التنمية الاجتماعية، إلى جانب تدريب ثلاثين طالباً وطالبة من مرحلتي البكالوريوس والماجستير كمساعدين بحثيين، تمهيداً لانخراطهم في الأبحاث التطبيقية.
ويُشرف على إدارة المشروع وتصميم برنامجه العلمي ومحتواه التخصصي الخبير في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، مدير المشروع البحثي – عدالة الأطفال في فلسطين، عصام عابدين.
وانخرط المشاركون/ات على مدار خمسة أيام متتالية في مسارات بحثية مُركّبة شملت: التحليل القانوني للاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية الخاصة بعدالة الأطفال، ومهارات الرصد والتوثيق وفقاً لمعايير الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، وأدوات التأثير في السياسات والمناصرة الحقوقية القائمة على الأدلة الموثوقة، وتوظيف آليات الأمم المتحدة والمساءلة الدولية كمسار بحثي تطبيقي متقدم، والمختبر البحثي وملامح الأبحاث الأصيلة – من بلورة الفكرة إلى التنفيذ العملي.
ويجري العمل حاليا على تطوير أوراق بحثية أصيلة انطلقت من التحديات البنيوية في الواقع الفلسطيني، خاصة في ظل جرائم الإبادة الجماعية التي استهدفت آلاف الأطفال الفلسطينيين، وفي ظل تصنيف الأمم المتحدة لدولة فلسطين كأخطر مكان على الأطفال عالمياً. في مقابل ندرة الأبحاث الأكاديمية التطبيقية المتخصصة في مجال حقوق الأطفال في دولة فلسطين وسبل الانتصاف الفعالة، ما جعل عدالة الأطفال على رأس أولويات هذا المختبر البحثي.
وأفضى المختبر إلى خارطة متكاملة من عناوين الأبحاث الأصيلة، ويجري العمل حالياً على تطويرها علمياً من قبل الباحثين والباحثات من أساتذة الجامعات؛ ومساعدين الباحثات والباحثين من طلبة برامج الماجستير والبكالوريوس الذين سينخرطون في الورشة البحثية، بهدف نشرها في مجلات أكاديمية محكمة، وإعداد أوراق تحليلية وتقارير موازية تُرفع إلى لجان الأمم المتحدة المتخصصة، كمدخل لتعزيز الحماية، وفضح الانتهاكات، ودعم المساءلة الدولية.
كما شكّل المختبر نقلة نوعية في ربط البحث العلمي بنظام العدالة الجزائية، إذ تجاوز المفهوم التقليدي، إلى تشكيل بيئة بحثية حيّة أنتجت أسئلة نقدية، ومعالجات قانونية، ومقاربات متعددة التخصصات، بهدف إعادة هندسة وبناء عدالة الأطفال في فلسطين على أسس حقوقية شاملة تستند إلى مبادئ الإنصاف والمساواة وعدم التمييز، مع التركيز على الفئات الأكثر هشاشة؛ بما في ذلك الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال في خلاف مع القانون، والأطفال في مناطق النزاع المسلح وحالات الاحتلال الحربي، ضمن واقع مُركب يتداخل فيه الاحتلال، والانقسام السياسي، والتحديات الاجتماعية والمؤسسية، ما يستدعي تدخلاً بحثياً مُمنهجاً ومًعمّقاً لإحداث تحول حقيقي في بنية العدالة.
ويمضي المشروع الوطني لعدالة الأطفال في دولة فلسطين الآن نحو مراحله المتقدمة، من خلال دعم إنتاج أبحاث تطبيقية قابلة للتنفيذ، والعمل المثابر على تقديم رؤى وأفكار ومداخل تطويرية للمناهج القانونية والأكاديمية في الجامعات الفلسطينية، وتوسيع دائرة التفاعل البحثي مع المؤسسات الوطنية والدولية، بما يُرسّخ دور المعرفة الحقوقية كقوة تغيير قادرة على إحداث أثر ملموس، واستشراف مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً للأطفال في فلسطين.