لماذا نعرض سلامًا على إسرائيل لا تريده؟

2025-04-21 09:33:25

قد يُفاجَأ المرء عندما يكتشف أن عروض السلام العربية بدأت منذ الأيام الأولى بعد النكبة سنة 1948، وستكون الدهشة أعمق عندما يكتشف هذا المرء أيضًا أن إسرائيل رفضت تلك العروض رغم ظروفها الصعبة.

وللعجب، فإن عروض السلام العربية أخذت في زيادة عمليات الإغراء والإغواء من أجل القبول، أو التسويق، أو التزويق، ولكن قلب إسرائيل القاسي رفض تلك العروض طيلة الوقت، وكانت إسرائيل تجد ذريعةً ما لرفض تلك العروض. وقد تراوحت تلك الذرائع ما بين رفض أجزاء من العرض، أو إضافة شروطٍ أخرى، أو تفجير الظرف كله من أساسه.

وقد برع أكاديميون إسرائيليون في تتبُّع تلك العروض، وأسباب طرحها، وأسباب رفضها، وهناك منهم من كان محقًّا أو موضوعيًّا في القول إن إسرائيل لم تكن يومًا راغبة في سلامٍ يتضمن انسحابات، أو اعترافات، أو مشاركات.

أكثر من ذلك، هناك من هؤلاء من قال إن إسرائيل تخشى السلام أكثر مما تخشى الحرب.

والسؤال الذي يطرح نفسه – كما يُقال:

لماذا اعتادت الأطراف العربية على تقديم تلك العروض المتكرّرة، رغم الرفض الإسرائيلي المتكرّر أيضًا؟!

ومن يعود إلى تاريخ تلك العروض، سيدهش من الزعماء الذين قدّموا تلك العروض، وكذلك من مضامين تلك العروض، والمدهش أكثر ذلك استمر منذ قيام إسرائيل وحتى يومنا هذا، وكأنّ النظام العربي لم يكن يطلب إقامة دولة فلسطينية بقدر ما كان يطلب التسوية مع إسرائيل ذاتها.

للإجابة على السؤال المطروح، فلن نضيف الكثير إذا قلنا إن الضعف، والهشاشة، والاتكالية، وغياب الإرادة، والفقر، والحصار، والاحتلال، وقوة الأعداء، وارتهان القرار، وغياب الجماهير أو تغييبها، ومشاكل النظام السياسي وأزماته، والنزول عن مسرح الفعل الحضاري، واستسهال الاستسلام والإذعان، والحروب الداخلية، والطغم الحاكمة – بغضّ النظر عن مرجعياتها – كل ذلك ساهم بشكل كبير وأساسي في فشل الإقليم في الانتصار من جهة، وفي استجداء التسوية و عدم تحقيقها من جهة أخرى.

هذا يعني أن الإقليم لم يستطع أن يفرض تسوية، أو يسوّقها، أو يضع بدائلها أصلًا.

يعني كانت تلك العروض ناتجة عن ضعف، وعن استجداء واستغذاء، أكثر مما هي نتاجُ القوّةٍ و السيطرة.

عروض التسوية التي قدّمها الإقليم كانت أشبه بإنقاذ الوضع، وحماية الموجود، أكثر من كونها مطالبةً بدولة فلسطينية، أو تأسيس ظروف تجد إسرائيل نفسها فيها دولةً عاديةً في المنطقة.

باختصار، فإنّ عروض السلام التي قدّمها الإقليم حتى الآن كانت عروضا ناشئة عن قلة حيلة و ضيق هوامش ولا أريد أن أقول أنها كانت لاسترضاء الاطراف القريبة و البعيدة أو نتيجة نصيحة خارجية أو ضغط أو تهديد عسكري .

هذا من جهتنا اما من جهة إسرائيل ، فهي كانت قادرة ولا تزال على رفض عروض السلام معها من معرفتها أنها تستطيع أن تحصل بالحرب و التهديد ما يمكن لها أن تحصل على اكثر منه أو يزيد بأي تسوية كانت ، فهي تحصل بالحرب على مكاسب دون أن تقدم أي تنازل او تعهد ، و بالتالي فالحرب افضل ، و الحرب افضل ايضا لأن ذلك سيجعل من الجمهور الإسرائيلي موحدا و مستعدا و يقظا، و الحرب تبقي لإسرائيل وظيفتها و دورها و مكانتها أمام الغرب الاستعماري ، كما أن الحرب مفيدة لرأس المال بما يتضمن التصنيع و التجريب و التسويق و الريادة و السيطرة التكنولوجية، و إسرائيل تعلم تماما أن عروض السلام ما هي إلا رسالة ضعف و ليست رسالة قوة و لهذا ترفضها إسرائيل تماما فهي كما ذكرنا لن تعطي بالتسوية ما لم تعطه بالحرب اصلا .

اسرائيل تعلم أن عروض السلام تقدم باردة و باهتة ، بدون اسنان او اظافر او بدائل أو بوادر غضب ، هي عروض سلام فيها مقايضة تجاوزتها إسرائيل منذ زمن بعيد فلم يعد يهم إسرائيل اعتراف الاقليم بها أو إقامة دولة فلسطينية كشرط للبقاء ، ولم يعد يهمها صورتها أو سرديتها النقية المعقمة التي روجتها ذات يوم عن ذاتها ، اسرائيل الان تريد السيطرة و ليست السيطرة الإقليمية فقط و إنما السيطرة على الوعي أيضا ، اسرائيل ثملى بالقوة ، و هو وضع يعميها حتى الآن عن قراءة الواقع و عن قراءة المستقبل أيضا .