“نارين بيوتي”… أميرة من تحت الرماد

2025-04-15 12:07:16

الكاتب: عُلا الفارس

 

هي ليست مجرد فتاة على الشاشة، ولا نجمة عابرة في عالم السوشيال ميديا المزدحم، بل ظاهرة إنسانية رقمية بدأت من الرماد، ووصلت إلى الخاتم اللامع، إلى الفستان الأبيض، إلى لحظة صفّق لها الملايين لا لأنهم فقط أحبوا الصورة، بل لأنهم يعرفون القصة بتفاصيلها المؤلمة تارة، والشيقة تارة أخرى.

تلك الفتاة السورية التي عرفناها بلقب “نارين بيوتي” لم تولد في قصر، ولم تكن طفولتها محاطة بالكاميرات أو الأضواء، بل خرجت من قلب الحرب، من بيت في حلب، من زقاق اختفى تحت ركام الصواريخ، ومن ذاكرة محمّلة بالخوف والشتات والصقيع. هجّرتها الحرب قسرا من دمشق، ودفعتها إلى قرية نائية، حيث لا ماء دافئ، ولا طعام طازج، ولا دفء حقيقي. هناك، عرفت طعم الخبز العفن، وأياما لم تكن فيها أبسط الحقوق مثل الاستحمام ممكنة إلا مرة في الشهر، كما قالت يوما، قبل أن تتمكن من اللجوء إلى تركيا، ثم لاحقا إلى السويد، باحثة عن الأمان المفقود.

لم تكن نارين تحلم بالشهرة، بل بالبقاء فقط، بالبقاء على قيد الأمل. ومن هذه الزاوية الضيقة، وجدت الضوء، وجدت ملجأ صغيرا في الكاميرا، حيث بدأت تنشر مقاطعها ببراءة، تحدثت كما تتحدث أي فتاة تحلم، ضحكت كما لو كانت تضحك لأول مرة، وتجمّع حولها جمهور افتراضي، لم يرَ فقط المكياج والتحديات، بل رأى قلبا حيا يحاول النجاة، يحاول نسيان وإنكار تعاسة الحرب وما تركت في قلبها. ومع تصاعد انتشارها خطت نحو نجاحها، تصدّرت المشاهدات، وتجاوزت أرقاما لم يصلها كثيرون، جنت مئات الآلاف من الدولارات حتى تحولت ملايين المشاهدات إلى ملايين في أرصدتها البنكية، كما تقول، لكن في الجهة الأخرى، كان هناك من يطرح الأسئلة الصعبة: كيف لفتاة اختبرت مرارة الخوف واللجوء، أن لا تتحدث يوما عن فلسطين؟ عن غزة؟ ألا تنشر شيئا عن الشهداء، عن الألم، عن الدمار؟ كيف لمن ذاقت قسوة النزوح، أن تصمت عن وجع السوريين أنفسهم؟ لا بوست، لا موقف، ولا حتى دمعة.

ربما الجواب معروف، ربما تخشى أن تخسر عقود الإعلانات، ربما لا تريد أن تضع اسمها في خانة السياسة، وربما ترى في الصمت حكمة، أو في الحياد ملاذا وربما، وهذا حقها، فالسوشيال ميديا اليوم لا ترحم، والكلمة الواحدة قد تكلفك جمهورا أو مستقبلا أو جهة راعية! لديها عذرها، عذر لا يعرفه إلا من يعيش في عين العاصفة حتماً. لكن رغم كل هذا، لم تفقد شعبيتها، بل ازدادت، وتوسّعت قاعدتها من جمهور عربي وعالمي شاب، يرى فيها مرآة لجيل بأكمله؛ جيل يبحث عن هويته وسط الضوضاء، ويحاول أن ينجو بأسلوبه الخاص، وإن لم يعجب كثرا. استمرّت نجاحات نارين حتى جاءت لحظة المرض، ذلك الوقت الذي تهاوت فيه على نفسها، بعد أن أثقلها ضغط الشهرة وسرعتها. اختفت فجأة، ثم عادت، باهتة، باكية، منهكة، واعترفت بأنها متعبة، بأنها تنهار، بأنها ليست دائما كما تَبدو. في واحدة من أصدق لحظاتها، لحظة أثبتت فيها أن خلف كل صورة جميلة على أنستغرام، يوجد إنسان حقيقي يحارب كي يبقى واقفا، إذ تبين أنها تعاني من مرض نادر في الدماغ، لا علاج له، تعيش معه يوما بيوم، وأملها أن تتماسك أكثر من أن تُشفى.

رغم كل ذلك، لم تنكسر نارين، بل كتبت فصلاً جديدا في قصتها، فصلًا اسمه “الحب”، حيث ظهر في حياتها رجل الأعمال رامي سامو، حكاية بدت كأنها من قصص الخيال. منذ أن أعلنت خطوبتها في فيديو تجاوزت مشاهداته الأربعين مليونا خلال أيام، حتى تفاصيل زفافها الفاخر قبل أيام حيث أطلت بفستان من توقيع إيلي صعب، بدت فيه كـ”عروس من ديزني”، كما وصفها كثير من متابعيها! أما خاتم الزواج الماسي الأزرق، فما زال حديث المواقع، ليس فقط لأنه نادر أو ثمين، بل لأنه بدا وكأن فيه اعترافا بكل ما مرّت به، خاتم يقول بصمته: “كل ما مررت به الآن يُكلَّل”.

لم تكن هذه النهاية، بل بداية جديدة لنارين، لا تقلّ ضجيجا عن بداياتها فكل ظهور لها يُحدث تفاعلا واسعا، وكل لحظة من حياتها تتحول لمشهد يعلّق عليه الجميع، انقسم الناس حولها كثيرا، لكن لم يتجاهلها أحد، اختلفوا معها، نعم، لكنهم تابعوها، انتقدوها، ثم عادوا ليصفقوا لها، لأنها ببساطة حاضرة في وجدان جيل كامل.

من يتابع أخبار نارين وحجم تفاعل المواقع والجمهور، يدرك أنها اليوم ليست فقط مؤثرة، بل مرآة لواقع معقّد، لفتاة عربية لم تحصل على فرصتها من باب الحظ، بل شقّتها بمرفقها وسط الزحام. نجحت، تعثرت، نهضت، ابتسمت، سقطت، بكت، لكنها أكملت. وفي عالم سريع النسيان، ما زالت باقية، لا لأنها الأجمل، أو الأشهر، بل لأنها الحقيقية وكل ما في قصتها، من النزوح إلى النجومية، من التعب إلى التاج، من الخبز العفّن إلى الماس الأزرق، هو تذكير بأن كل من فينا قادر على أن ينهض، حتى لو انكسر ألف مرة و لو أُجبر يومًا على أكل الخبز العفّن.

 

المصدر: القدس العربي