إبراهيم وطفي – مترجم وكاتب سوري يستحق الشهرة
الكاتب: حكم عبد الهادي
رافقني في إجازتي القصيرة في ديسمبر 2015 إلى جزر الكنار صديق أكن له المعزة والاحترام وهو المترجم والكاتب السوري إبراهيم وطفي. لم يرافقني بشخصه وإنما بكتابه "ثلاثة كتاب من الألمانية – بيتر فايس، هاينر كيبهارت ومارتن فالزر". صدرت الطبعة الأولى منه في عام الفين. إبراهيم وطفي صديق قديم تخصص بالدرجة الأولى بترجمة أعمال "كافكا" وأهمها "المحاكمة". وتتميز كتب إبراهيم ليس بالترجمة الدقيقة ووضوح لغته فحسب، وإنما أيضا بعرض حياة كل كاتب وخلفيات أعماله بالإضافة إلى مختصرات لأهم هذه الأعمال.
تعلمت الكثير في إجازتي عن الكتاب الألمان الثلاثة وأعاد إبراهيم إلى ذاكرتي ما كنت قد قرأته قبل ثلاثة عقود من مؤلفات "بيتر فايس"، وهو أحد الروائيين الأوروبيين القلائل ألذين كتبوا عن العالم الثالث وخاصة عن الحرب الفيتنامية. كانت أعماله ذات تأثير عن الثورة الطلابية في نهاية الستينات إذ إتخذ مواقف متحيزة لحركات تحرر العالم الثالث الذي يسميه العالم الأول.
لم أكن أعرف الأديب الكبير "هاينر كيبهارت" قبل أن أطالع ما كتبه إبراهيم عنه. إما فيما يتعلق بمارتن فالزر فإن وطفي لم يتمكن - وإن عبر عن إعجابه به من خلال إسهابه في وصف رواياته الكثيرة - من أن يقرب هذا الأديب من قلبي، على الرغم من خطابه في كنيسة "بولص" بعد نيله في عام 1998 جائزة السلام لدور النشر الألمانية التي تعتبر من أهم الجوائز الأدبية في ألمانيا، وإذ تجرأ آنذاك حين قال إن بعض الجهات والمقصود إسرائيل والمجلس المركزي اليهودي (في ألمانيا) تستغل الهولوكوست كالهراوة لأغراض سياسية. وكالعادة في مثل هذه الحالات اتهم اللوبي الصهيوني على أثر هراوته هذه فالزر باللاسامية، وظل فالزر غير مكترث بذلك حتى صدر كتابه منذ أشهر قليلة بعنوان:Shmekendike blumen. وفي هذا الكتاب حرص الكاتب على التأكيد على إسرافه في حب اليهود أي على غرقه فيما يسمى بالألمانية ٍPhilosemitismus.
توقف تماما عن نقده لإسرائيل وبصورة غير مباشرة ظهر وكأنه يعتذر عن خطابه في كنيسة بولص. أمقت فالزر، اليساري السابق، لسبب آخر وهو تعصبه للقومية الألمانية قبيل وحدة الألمانيتين وبعدها، وأغلب الظن أنه كان يكره هراوة الهولوكوست ليس بهدف نقد إسرائيل ومن خلفها وإنما دفاعا عن سمعة ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك لا تروق لي كتابات فالزر لأنه يتخلص، كما يبدو لي، من كآبته المزمنة من خلال الكتابه لينقلها إلى أكتاف القراء، فهو يغلق أبواب الفرج في وجوههم وكأن العالم سيتدمر بعد قراءة الصفحة الأخيرة.
صحيح أن إبراهيم وطفي لم يغير بكتابه من موقفي غير المهم من فالزر إلا انني تعلمت الكثير عن هذا الأديب الذي يعتبر سواء شئت أم أبيت من أهم الكتاب الألمان.
بقي أن أكتب القليل عن المترجم والكاتب إبراهيم وطفي الذي تعرفت عليه لحسن حظي قبل أكثر من عشرين عاما عندما كان يعمل مترجما للسفير السوري في بون العاصمة السابقة لألمانيا. كان مكتبه حسب طلبه في قبو السفارة وذلك لكي يترجم "كافكا"، أحد كبار الأدباء الألمان، في أوقات فراغه الكثيرة ولكي يتخلص من الإستماع إلى "علاك" زملائه في السفارة
جاء إبراهيم إلى ألمانيا حافيا – بالمعنى المجازي للكلمة - ومول دراسته للأدب الألماني بذراعه. وبعد أن أنهى دراسته انكب على ترجمة صديقه الروحي "كافكا" ولعله كان أحد اسباب قدومه إلى ألمانيا ولدراسته الأدب الألماني.
كنا في غرفة ضيوفه نتحدث عن "كافكا" وكأنه يجالسنا ويتجاذب معنا أطراف الحديث. أذكر جملة إبراهيم: "لم يكن كافكا متشائما كما يظن الكثيرون، فقد كان يتمتع بقسط كبير من خفة الروح!" قلت له آنذاك أنني أصبت بالكآبة وكدت أصبح طريحا للفراش بعيد قراءتي ل "المحاكمة"، فحاول إبراهيم أن يخفف من حدة حكمي القاسي هذا.
سألته: لماذا لم يبح للقراء العرب أن كافكا كان يهوديا؟ قال: كنت أخشى ألا يقرأوه إذا علموا ذلك، وأضاف أنه لم يكن على أي حال صهيونيا.
سألته أيضا عن معاناة المترجم فقال: "إذا كتب المؤلف كلاما غير مفهوم فسيقول الناس من الصعب فهم هذا العبقري، وإذا لم يفهموا هذا الكلام الذي ترجمه المترجم سيقولون: المترجم حمار كبير!"
إذا كنت من محبي الأدب وخاصة كافكا فعليك أن تصغي جيدا لما يقوله إبراهيم وطفي الذي يمقت الكلام الزائد والعجرفة. تشعر وأنت تجلس معه أنه ينتظر العودة بفارغ الصبر إلى مكتبه ليواصل ترجمة كافكا.
إبراهيم لا يميل إلى الحديث في السياسة ولكنه يعبر عن رفضه لجميع الأنظمة العربية وفي هذا السياق قال لي: " والله الفلسطينيون قاتلوا ولكن إحنا ما قاتلنا."