فضيحة اولمرت المدوية
الكاتب: عمر حلمي الغول عن الحياة
أدانت محكمة إسرائيلية إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الاسبق بتهمة الفساد والرشوة في فضيحة العقارات الكبرى «هولي لاند» في القدس مقترنة بشهادة الزور، التي ادلى بها سابقا بالنفي.
فضيحة اولمرت اعتبرت في الاوساط الاسرائيلية اسوأ اشكال الفساد في تاريخ اسرائيل، وحدثت اثناء توليه مهمة رئيس بلدية القدس الغربية 1993/ 2003. وبدأت خيوطها بالانكشاف عام 2010، حين اشير إلى تلقيه مبلغ مليون ونصف المليون شيقل مقابل تسهيل بناء عقارات هولي لاند. غير ان القضاء الاسرائيلي خفض قيمة الرشوة إلى النصف، التي حولها لحساب شقيقه.
لكن مكانة اولمرت السياسية بدأت بالاهتزاز والتراجع في تموز 2008، عندما وجهت له اتهامات بالفساد في قضايا اخرى، التي دفع بتبرئة نفسه منها آنذاك، إلا انه اضطر للاستقالة من رئاسة الحكومة في ايلول 2008 (تولى رئاسة الحكومة في آذار 2006 بعد مرض شارون) وفي ايلول 2012 ادين رئيس الوزراء الاسبق، وصدرت بحقه عقوبة مخففة بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، ودفع غرامة مقدارها 75 ألفا و300 شيقل..
وبقيت قضية هولي لاند وشهادة الزور تلاحق رئيس حزب كاديما الاسبق، إلى ان تم تثبيتها عليه. مما دفع القاضي ديفيد روزين، الذي تلى الحكم للقول امام وسائل الاعلام : «نحن نتحدث عن ممارسات فاسدة وقذرة». وندد بـ «النظام السياسي الفاسد، الذي تراجع على مدار السنين... ونقل في ظله مئات آلاف الشواقل الى مسؤولين منتخبين». ووفق مصادر قضائية فإن الحكم المرتقب في نيسان الجاري قد يصل إلى الاعتقال مدة سبع سنوات.
إدانة اولمرت بالفساد، تشكل الضربة القاضية لسجله وتاريخه السياسي، ويمكن اعتبارها اللحظة الفاصلة في طي صفحته السياسية. ورغم عودة العديد من قادة إسرائيل للحلبة السياسية، إلا ان القضايا السابقة، التي طالت رؤساء وزراء ووزراء وقادة عسكريين وغيرهم، لم تكن بنفس خطورة قضية اولمرت، الامر الذي يشير إلى صعوبة عودته لميدان السياسة، مع ان كل شيء في دولة الابرتهايد ممكن وجائز ارتباطا بطبيعتها الاستيطانية.
دولة إسرائيل بشهادة القاضي روزين وغيره، تشكل تربة خصبة لكل اشكال ومظاهر الفساد والمافيات. ولعل الطبقة السياسية والعسكرية تلعب دورا اساسيا في تعميق تلك المظاهر، التي تهدد وحدة المجتمع الاسرائيلي. ولهذه الظاهرة اسبابها الذاتية والموضوعية : اولا عدم اليقين في اوساط اولئك القادة بديمومة دولتهم، لادراكهم، انها دولة غير طبيعية، وان الأخطار المحيقة بها تجعل الرهان على استمرارها أمرا بعيد المنال؛ ثانيا البنية الفكرية والسياسية والاخلاقية والقيمية في اوساط النخب الاسرائيلية ضعيفة، ولادراكها ان الرواية الاسرائيلية (الصهيونية ) تقوم على الكذب والافتراء على الحقيقة والتاريخ والواقع؛ ثالثا طبيعة العلاقة مع الغرب الرأسمالي وخاصة الاميركي، الذي يصب اعلى اشكال الدعم المالي والاقتصادي لاسرائيل، تهيئ المناخ، وتوجد البيئة الخصبة لعملية النهب واللصوصية في اوساط القيادات الاسرائيلية؛ رابعا وفي نفس السياق، طبيعة العلاقة بين اركان الرأسمال المالي العالمي والحركة الصهيونية، الذي تلعب في اوساطه العائلات اليهودية الصهيونية دورا محوريا في تعزيز ظاهرة الفساد والرشوة، لاسيما وان الرأسمال المالي والصناعي يستخدم المال لتحقيق اغراضه الاقتصادية والسياسية... وغيرها من المظاهر المرتبطة بنشأة وتطور هذه الشخصية او تلك وايضا المجتمع الاسرائيلي برمته.