"إنَّه يرب فوق البكاء"
الكاتب: حسن مقداد
في غزة، لا يكفي البكاء ليحمل ثقل الحكاية، هناك وجعٌ يربو فوق الدموع، يكبر حتى يصير صمتًا مثقلًا، وصلاةً لا تجد طريقها إلا إلى السّماء، في الخيام الضيقة، حيث تتقاطع الأحلام مع الخوف، سقط طفلٌ في بئر، فسقطت معه أسئلةٌ كثيرة لا تجد جوابًا.
لم يكن الطفل يعرف معنى الحصار ولا أسماء الحروب، كان يعرف اللعب فقط، وسماءً يظنها قريبة، لكن الأرض كانت قاسية، والبئر كان أعمق من عمره الصغير، وحين غاب صوته، لم تغب غزة عن المشهد؛ ازدادت انحناءً، وازداد قلبها ثقلاً.
الأمهات بكين، والآباء عضّوا على صبرهم، والمدينة وقفت مذهولة، فهنا، لا يأتي الموت وحده؛ يأتي محمولًا على تعب السنين، وعلى عطشٍ للأمان، وعلى انتظارٍ طال، الطفل الذي رحل صار مرآةً لجرحٍ أكبر، جرحٍ لا يلتئم بالبكاء وحده.
إنه وجعٌ يربو فوق البكاء، لأن الدموع في غزة تعرف طريقها سريعًا، لكنها لا تكفي. يربو لأن كل فقدٍ يوقظ فقدًا أقدم، وكل اسمٍ يُنادى ولا يُجاب يزيد الذاكرة ازدحامًا. ومع ذلك، تبقى غزة واقفة، تُنبت الأمل من بين الشقوق، وتعلّم العالم أن الحياة، حتى حين تُختطف، تترك أثرًا لا يُمحى.
سلامٌ على الطفل، وعلى مدينةٍ تحفظ أسماء صغارها في قلبها، وتواصل المشي، رغم كل شيء.

