الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:10 AM
الظهر 11:40 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:49 PM
العشاء 6:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

أَهْدَافُ اَلِاسْتِعْمَارِ تَتَطَوَّرُ وَلَا تَتَغَيَّرُ

الكاتب: د. محمد عودة

عبر العصور لم تكن أساليب الاستعمار يومًا عشوائية ولا ثابتة، بل كانت دائمًا مدروسة وتتناسب مع متغيرات العصر وظروف العالم، فالاستعمار يطور أساليبه وفق الظروف والتقنيات المتاحة، لكن الهدف ظل واحدًا دائمًا، السيطرة على الموارد الحيوية وتحقيق مصالحه ومنع بروز منافسين حقيقيين.

مع اكتشاف المعادن التي كان الذهب والحديد والنحاس من أهمها ،هذه المعادن ايقظت الطموحات الاستعمارية، فقد غزا الإسبان والبرتغاليون أمريكا الجنوبية للاستيلاء على الذهب والفضة والسيطرة على المناجم، كما حدث مع غزو إمبراطورية الإنكا والأزتكا،في الوقت نفسه اعتمد الأوروبيون في غرب إفريقيا على عملاء محليين للتحكم بتجارة الذهب والحديد في بعض الاحيان بينما غزت كل من هولندا والبرتغال وفرنسا وانكلترا العديد من دول افريقيا لنفس الغرض .

مع ظهور الثورة الصناعية، أصبحت السيطرة على المواد الخام خاصة الفحم محور الهيمنة، الحديد والفحم والمعادن الصناعية الأخرى كانت مطمع القوى الأوروبية، وغالبًا ما تم الاستغلال عبر التدخل الاقتصادي والسياسي حينا والغزو العسكري المباشراحيانا اخرى، كما حدث في الهند وأجزاء من أمريكا الشمالية، ثم جاء البترول ليصبح الثروة المركزية في القرن العشرين، وأصبح النفوذ الاقتصادي والسياسي الوسيلة الأساسية للاستغلال، مع استمرار استخدام وكلاء محليين لضمان السيطرة.

  عملت الولايات المتحدة الامريكية ضد بعض جكومات امريكيا اللاتينية عبر الانقلابات مثل انقلاب غواتيمالا 1954 تشيلي عام 1973، وعبر الغزو المباشر كما حصل مع نيكاراغوا 1912 ، كوبا 1961 ،غرينادا 1983 وبنما 1989 وذلك لضمان مصالحها الاقتصادية والسياسية، ووسيلة لتأمين النفوذ على الموارد ،وفي 1965 غزت الولايات المتحدة الفيتنام اسيا ثم غزت في الالفية الثانية افغانستان والعراق وسوريا وتدخلت في ليبيا واليمن.

مع ظهور الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، أصبح التركيز على المعادن النادرة والاستراتيجية محور الصراع العالمي الجديد. المعادن مثل الليثيوم، اليورانيوم، اللانثانيدات، الكوارتز، الديوم، اليوروبيم، والهويميوم أصبحت أهدافًا رئيسية للقوى الكبرى، في إفريقيا، تتنافس الصين والولايات المتحدة للسيطرة على مناطق غنية بالليثيوم والكوارتز واليورانيوم والذهب والالماس، تعتمد الصين على الاستثمار الاقتصادي والعقود الطويلة مع الحكومات المحلية، بينما تستخدم الولايات المتحدة التدخل عن بعد عبر دعم جماعات معينة أو التأثير على سياسات الحكومات لضمان مصالحها، وفي أمريكا اللاتينية، تتنافس الصين والولايات المتحدة وروسيا على الليثيوم والمعادن النادرة،حيث تدعم الولايات المتحدة حكومات وشركات محلية لضمان النفوذ، بينما تقدم الصين استثمارات ضخمة وبنى تحتية، دون تدخل عسكري مباشر.

   نتاج التطور التكنلوجي و تسارع البحث العالمي عن بدائل للطاقة التقليدية، بدأ يلوح في الأفق مورد جديد قد يتحول إلى هدف استعماري مستقبلي، هو معدن الثوريوم،هذا المعدن الذي يُقدَّم اليوم بوصفه وقودًا نوويًا أكثر أمانًا وأقل كلفة مقارنة باليورانيوم، لم يدخل بعد دائرة الصراع العسكري المباشر، لكنه بدأ يلفت أنظار القوى الكبرى بوصفه موردًا استراتيجيًا في عالم ما بعد النفط ، ومع إعلان دول كبرى امتلاك احتياطيات ضخمة منه وتطوير تقنيات تعتمد عليه في إنتاج الطاقة، يصبح من المنطقي افتراض أن الثوريوم قد ينضم مستقبلًا إلى قائمة الموارد التي تُعاد صياغة الجغرافيا السياسية من أجلها، عبر النفوذ الاقتصادي، أو الضغط السياسي، أو الصراعات غير المباشرة، او الغزو العسكري ان لزم الامر تمامًا كما حدث سابقًا مع النفط والمعادن النادرة.

  عودة الى الشرق الأوسط، حيث المصالح لا تقتصر على روسيا والصين وامريكا بل هناك فاعل مهم هو الاتحاد الاوروبي تتقاسم هذه الاطراف الادوار لضمان السيطرة على مصادر الطاقة والمعادن، كما في المشاريع النووية والطاقة في الإمارات والعراق،أما في أوكرانيا، فتتصارع روسيا، الولايات المتحدة، والصين على الموارد الطبيعية والمعادن النادرة اضافة الى الحبوب مثل القمح ، غزت روسيا أوكرانيا للسيطرة على مناطق غنية بالمعادن النادرة، بينما تدعم الولايات المتحدة كييف سياسيًا وعسكريًا عن بعد، وهو مثال واضح على الغزو المباشر مقابل التدخل عن بعد.

   حتى اليوم، تتباين الأساليب بين الغزو المباشر واستخدام الوكلاء المحليين والتدخل عن بعد، لكن الهدف يظل ثابتًا، تأمين الموارد والتحكم في القرار السياسي والاقتصادي على مستوى عالمي، فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان، العراق، سوريا، غرينادا، وبنما، وغزت روسيا أوكرانيا، بينما اعتمدت القوى الكبرى الأخرى على وكلاء محليين كما في غرب إفريقيا.

  الصهيونية شكل جديدد من الاستعمارالاحلالي ، بدأت باحتلال جزء من فلسطين، ثم سعت للسيطرة على كامل فلسطين، وتوسعت لتشمل مناطق في مصر وسوريا ولبنان والأردن، وهي اليوم تطمح للتوسع أكثر، مما يجعلها نموذجًا للاستعمار القائم على الغزو، الاستيطان، والسيطرة على الأراضي، إلى جانب استخدام النفوذ السياسي والعسكري لدعم مشاريعها تحت غطاء الدفاع عن القيم الإنسانية والديمقراطية كواجهة لتبرير الهيمنة، بينما الهدف الحقيقي هو السيطرة على الموارد التي تتعدى الشرق الاوسط ،فالطموح الصهيوني هو السيطرة على كل العالم .

وهنا نستنتج ان التاريخ يتكرر بأشكال مختلفة، الأساليب تتغير لكن الهدف واحد، السيطرة على الموارد وتحقيق المصالح ، من الذهب والحديد والنحاس في العصور القديمة، إلى البترول في العصر الحديث، وصولًا إلى المعادن النادرة في القرن الحادي والعشرين، ومن الغزو المباشر إلى النفوذ الاقتصادي والعمل عبر وكلاء محليين، لم يتوقف المشروع الإمبريالي عن السعي لضمان هيمنته، بما في ذلك أشكال الاستعمار الحديثة مثل الصهيونية.

في الختام فان الخطر الحقيقي يكمن في الاستسلام للمظاهر دون النظر إلى الجوهر، وفي قبول الأقنعة بدل مواجهة الحقائق، سواء في الماضي أو الحاضر، في إفريقيا، أمريكا اللاتينية، الشرق الأوسط أو آسيا، الضحية دائمًا واحدة، والألم والظلم ثابتان، والهيمنة مستمرة إذا لم يتحرك العالم للدفاع عن القيم الإنسانية الحقيقية، بعيدًا عن ما تسعى اليه الدولة العميقة ،مطلوب وعي جماعي عالمي، يعترف بأن القيم النبيلة ليست شعارات تُستخدم انتقائيًا، وأن الحرية والعدالة يجب أن تكون أساسًا لأي نظام دولي يحمي الإنسان وكرامته قبل أي اعتبار آخر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...