الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 11:38 AM
العصر 2:22 PM
المغرب 4:47 PM
العشاء 6:07 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قراءة في تصريحات وزير شؤون الأسرى بحق مؤسسة “تمكين”:حين يصبح الملف الوطني رهينة العبث الإداري

الكاتب: المحامي علي أبو حبلة

في لحظة وطنية بالغة الحساسية، تتقاطع فيها الضغوط الخارجية مع هشاشة داخلية متراكمة، جاءت تصريحات رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الوزير رائد أبو الحمص، بحق مؤسسة “تمكين”، لتكسر جدار الصمت، وتضع النقاط على الحروف في واحدة من أخطر القضايا الوطنية: قضية الأسرى والشهداء والجرحى، بوصفها ركيزة من ركائز الشرعية الوطنية، لا بندًا إداريًا خاضعًا للمزاج أو الابتزاز السياسي.
ما صدر عن وزير شؤون الأسرى لم يكن انفعالًا عابرًا ولا خطابًا شعبويًا، بل موقفًا سياسيًا واضحًا، يعكس حجم الانزلاق الذي بلغه التعامل مع هذا الملف، حين جرى نقله من إطاره الوطني النضالي إلى منطق “التصنيف الاجتماعي”، وكأن الأسرى وأسر الشهداء مجرد حالات فقر أو إعالة، لا أصحاب حق وكرامة وتضحية.
أولًا: خطورة تحويل الحق الوطني إلى “استمارة اجتماعية”
تكمن جوهر الإشكالية في النهج الذي اتبعته مؤسسة “تمكين”، والقائم على إخضاع الأسرى وذوي الشهداء والجرحى لمسح اجتماعي بأسئلة تمس جوهر القيمة النضالية، وتختزل سنوات الاعتقال والشهادة والجرح في معايير دخل وحاجة.
هذا التحول ليس تقنيًا ولا إداريًا، بل تحول سياسي خطير، لأنه:
يفصل بين النضال والحق.
يُسقِط البعد الجماعي للقضية.
ويعيد تعريف الأسير من “مناضل” إلى “حالة اجتماعية”.
وهو ما يتناقض صراحة مع:
الثوابت الوطنية الفلسطينية.
التزامات منظمة التحرير تجاه مناضليها.
والخطاب الرسمي الذي أكد مرارًا – وعلى رأسه الرئيس محمود عباس – أن حقوق الأسرى حقوق وطنية غير قابلة للمساومة أو التفاوض.
ثانيًا: ازدواجية القرار وتفريغ المؤسسات من مضمونها الوطني
تكشف تصريحات الوزير أبو الحمص عن خلل بنيوي أخطر، يتمثل في تجاوز مؤسسة “تمكين” للتوافقات الرسمية، والتنصل من اتفاقات جرى التوصل إليها برعاية مؤسسات سيادية، وتحميل المسؤولية السياسية لرئيس السلطة الوطنية، في سلوك يعكس غياب المساءلة، وانفلات القرار من مرجعيته الوطنية.
إن أي مؤسسة، مهما كان توصيفها القانوني أو الإداري، لا تملك:
إعادة تعريف الرموز الوطنية.
ولا تقرير من “يستحق” أو “لا يستحق” من أصحاب الدم والتضحية.
ولا مخاطبة هذه الشريحة بلغة استعلائية أو تشكيكية.
وهنا يصبح السؤال مشروعًا:
من يحكم هذا الملف؟ ومن يمنح الشرعية؟ ومن يحاسب؟
ثالثًا: البعد السياسي للصراع على ملف الأسرى
لا يمكن فصل ما يجري عن السياق السياسي الأوسع، حيث تتعرض السلطة الوطنية لضغوط مالية وسياسية ممنهجة، هدفها الواضح:
تفكيك منظومة الصمود.
نزع الشرعية عن المقاومة بكل أشكالها.
وإعادة هندسة الوعي الفلسطيني وفق شروط الاحتلال والمانحين.
لكن الخطورة لا تكمن في الضغوط بحد ذاتها، بل في الاستجابة الخاطئة لها، عبر تحميل الفئات الأضعف – الأسرى وأسر الشهداء – كلفة “التكيّف السياسي”، بدل تحويل هذه الضغوط إلى معركة دبلوماسية وقانونية مع الاحتلال.
من هنا، فإن ما حذر منه أبو الحمص ليس خلافًا شخصيًا، بل صراع على جوهر الرواية الوطنية:
هل نحن شعب تحت احتلال له أسرى وشهداء؟
أم مجتمع فقراء يحتاج إلى برامج “تمكين” مشروطة؟
رابعًا: نحو رؤية استراتيجية وطنية لإدارة الملف
إن الخروج من هذا المأزق يتطلب:
إعادة الملف إلى مرجعيته الوطنية والسياسية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
فصل البعد الاجتماعي عن البعد النضالي دون مساس بالحقوق المكتسبة.
إخضاع أي مؤسسة عاملة في هذا الملف للمساءلة والرقابة الوطنية، لا العكس.
توحيد الخطاب الرسمي بما يمنع التناقض والتخبط أمام الداخل والخارج.
تحويل قضية الأسرى إلى ورقة قوة قانونية دولية، لا عبئًا ماليًا داخليًا.
خاتمة: كفى عبثًا بأقدس القضايا
إن التحذير الذي أطلقه وزير شؤون الأسرى يجب أن يُقرأ كجرس إنذار وطني، لا كبيان خلاف. فقضية الأسرى ليست ملفًا إداريًا، ولا بندًا ماليًا، ولا مادة للمزايدة أو التبرير، بل جوهر المشروع الوطني الفلسطيني.
والمساس بها، أو التشكيك بأصحابها، أو التعامل معهم بلغة الإهانة والوصاية، هو مساس بالشرعية ذاتها، وبالأساس الأخلاقي الذي قامت عليه الحركة الوطنية الفلسطينية.
لقد آن الأوان للقول بوضوح:
حقوق الأسرى والشهداء ليست منحة، ولا تُقاس بالحاجة، ولا تُدار بمنطق “تمكين” منفصل عن الوطنية، بل هي عهد ووفاء وركن من أركان الصمود الفلسطيني.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...