الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:08 AM
الظهر 11:38 AM
العصر 2:22 PM
المغرب 4:46 PM
العشاء 6:07 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

فلسطين بين مشروع الفصل الاسرائيلي ومتطلبات استعادة القرار الوطني

الكاتب: جمال زقوت

لم تعد الحرب على غزة حدثًا عسكريًا طارئًا، ولا فصلًا إضافيًا في سجل العدوان الإسرائيلي الطويل، بل تحوّلت إلى أداة سياسية اسرائيلية لتكريس مشروع استراتيجي قديم–متجدد، جوهره فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتفكيك القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى ملفات إنسانية وأمنية مُدارة. هذا المشروع لم يبدأ مع الحرب، لكنه وجد فيها فرصته الأكثر دموية ووضوحًا لتسريع تنفيذه .

ما يُطرح اليوم تحت عناوين “اليوم التالي”، أو “إعادة الإعمار”وفق نظرية إعادة هندسة المجتمع الغزي وتفكيك نسيجه الوطني، وإلغاء دوره التاريخي كرافعة للوطنية الفلسطينية، أو ما يُسمى ب“منع عودة العنف”، لا يعكس بحثًا جادًا عن حل، بل محاولة لإعادة إنتاج واقع دائم يقوم على التفكيك والتجزئة؛ قطاع غزة يُدار خارج السياق الوطني، والضفة الغربية تتآكل يوميًا بفعل الاستيطان والضم الزاحف، والشعب الفلسطيني يُطلب منه التكيّف مع هذا الواقع بوصفه قدرًا لا راد له ولا بديل عنه.

مشروع الفصل: بوابة التصفية

الخطر الحقيقي لا يكمن في تفاصيل الطروحات المتداولة حول غزة، بل في منطقها السياسي. فمعالجة قطاع غزة كقضية منفصلة عن الضفة الغربية، مهما غُلّفت بلغة إنسانية أو أمنية، تنسجم تمامًا مع الرؤية الإسرائيلية التي ترى في الفصل شرطًا لتصفية فكرة الدولة الفلسطينية. الحرب، في هذا السياق، ليست فقط وسيلة ردع، بل أداة لإعادة هندسة الواقع السياسي والجغرافي.

إن أي صيغة لإدارة غزة، أو إعادة إعمارها، أو “استقرارها”، خارج إطار وحدة الأرض والكيانية الفلسطينيتين، تفتح الباب أمام تكريس الفصل كأمر واقع، وتحوّل الاحتلال من قضية قانونية–سياسية إلى مسألة إدارية قابلة للتدوير.

الوحدة الوطنية: شرط سياسي لا شعار أخلاقي

إفشال هذا المشروع لا يمكن أن يتم دون إعادة بناء وحدة وطنية فلسطينية جديدة، لا تقوم على تقاسم سلطة عاجزة، ولا على إعادة إنتاج الانقسام بصيغ أكثر ليونة، بل على صيغة انتقالية توافقية واضحة المعالم. وحدة لا تُختزل في المصالحة بين فصيلين، بل تُبنى على برنامج سياسي جامع يعيد الاعتبار لفكرة الشعب الواحد والأرض الواحدة والتمثيل الوطني الموحد عبر التوافق ومن ثم عبر صناديق الاقتراع.

هذه الصيغة يجب أن تستند إلى ثلاثة عناصر أساسية: وحدة غزة والضفة سياسيًا وقانونيًا، برنامج وطني محدد يضع الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967 كهدف مرحلي واقعي، وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الإطار التمثيلي الجامع القابل للإصلاح والتجديد على أسس وطنية ديمقراطية.

إن استمرار الانقسام، أو القبول بإدارته، لا يعني الحياد، بل يعني عمليًا فتح المجال أمام حلول تُفرض من الخارج، تُختزل فيها القضية الفلسطينية إلى ملف إغاثي في غزة، وملف أمني في الضفة.

لا أوهام حول الداخل الإسرائيلي

أظهرت الحرب، بما لا يدع مجالًا للشك، أن المجتمع الإسرائيلي لم يتجه نحو مراجعة أخلاقية أو سياسية، بل نحو مزيد من التطرف والإنكار. حتى التيارات الإسرائيلية التي ما زالت تتحدث عن حل الدولتين أصبحت هامشية، ضعيفة التأثير، ومكبّلة بخوفها من مواجهة التيار العام.

الرهان على “صحوة” إسرائيلية قريبة ليس واقعيًا. فالتحولات، إن حدثت، لن تكون نتيجة خطاب إقناعي أو نداءات أخلاقية، بل نتيجة ضغط خارجي متراكم يغيّر حسابات الكلفة والربح، ويعيد تعريف حدود المقبول سياسيًا.

المجتمع الدولي أمام اختبار المصداقية

تقف الولايات المتحدة وأوروبا اليوم أمام اختبار سياسي وأخلاقي حقيقي. فالتعامل مع غزة كأزمة إنسانية منفصلة، ومع الضفة الغربية كملف أمني قابل للإدارة، لم يجلب استقرارًا في السابق، ولن يجلبه مستقبلًا. الأمن لا يُبنى على إنكار الحقوق الوطنية، ولا على إدارة الصراع بدل حله.

المطلوب دوليًا ليس بيانات متوازنة، بل مواقف واضحة: رفض أي صيغة تفصل غزة عن الضفة، ربط إعادة الإعمار بمسار سياسي حقيقي ينهي الاحتلال، وليس تفكيك المجتمع الغزي، ودعم وحدة التمثيل الفلسطيني بدل الالتفاف عليها،أو المضي في هندسته وفق الرؤية الاسرائيلية، وتفعيل آليات المساءلة وفق القانون الدولي، لا وفق اعتبارات القوة وحدها.

أما دول البريكس، التي تطرح نفسها كقوة دولية صاعدة، فإن فلسطين تشكّل أيضاً اختبارًا لمصداقية خطابها حول عالم متعدد الأقطاب قائم على العدالة والقانون، لا على ازدواجية المعايير.

التضامن الدولي: من التعاطف إلى التأثير

شهد العالم خلال الحرب تحوّلًا لافتًا في الرأي العام، خصوصًا في الغرب، حيث انكسرت هيمنة الرواية الإسرائيلية، وبرز خطاب قانوني وأخلاقي جديد يتحدث عن الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني. غير أن هذا التحول، مهما كان مهمًا، سيبقى محدود الأثر إذا لم يُستثمر ضمن رؤية سياسية فلسطينية واضحة.

الحركات الشعبية لا تُغيّر السياسات وحدها، لكنها قادرة على رفع كلفة استمرار الظلم، حين تُترجم إلى ضغط مؤسسي في البرلمانات، والجامعات، والنقابات، والأسواق، والمحاكم. التضامن يصبح قوة حقيقية فقط عندما يرتبط بهدف سياسي واضح.

خريطة طريق ممكنة

ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم ليس معجزة، بل خطة سياسية واقعية تقوم على: الرفض الدائم والمطلق لفصل القطاع عن الضفة، وحدة وطنية انتقالية ببرنامج محدد وآليات جامعة متوافق عليها على صعيد المنظمة وحكومة السلطة، تدويل القضية قانونيًا لا إنسانيًا فقط، شراكة استراتيجية مع الحركات الشعبية العالمية، وإعادة تعريف المقاومة بوصفها مسارًا وطنيًا شاملًا، سياسيًا وقانونيًا وشعبيًا، طويل النفس، وأن مصدر قوتها يتمثل في الإجماع الوطني حول أشكالها، ومدى انخراط القوى الشعبية العريضة فيها.

حين تعجز النخب، لا يسقط الحق.

وحين تُحاصر السياسة، لا تُلغى الإرادة.

إن إفشال مشروع الفصل ليس مهمة فصيل أو قيادة بعينها، بل مسؤولية وطنية جامعة. فلسطين لا تُختزل في غزة وحدها، ولا في الضفة وحدها، بل في وحدة الأرض والشعب، وفي حق غير قابل للتصرف في تقرير المصير. هذه ليست دعوة للمواجهة، بل نداء للعقل السياسي، في فلسطين والعالم: لا استقرار دون عدالة، ولا سلام دون إنهاء الاحتلال، ولا مستقبل دون وحدة القرار الوطني.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...