بثّ ثقافة الهزيمة وخطورتها على المجتمع الفلسطيني ودور المثقف المشتبك في مواجهة انتهازية مثقف السلطان
الكاتب: معمر عرابي
ليست الهزيمة حدثًا عسكريًا فحسب، بل حالة ذهنية تُزرع وتُعاد إنتاجها حين يُقنِع الخطاب العام الناس بأن العجز قدر، وأن المقاومة عبث، وأن الواقع القائم هو أقصى ما يمكن بلوغه. أخطر ما في ثقافة الهزيمة أنها تُفرّغ الشعب من طاقته الأخلاقية قبل أن تُفرّغه من أدوات الفعل، وتحوّل المأساة من ظلمٍ يجب مقاومته إلى “واقعٍ” يجب التكيّف معه.
في السياق الفلسطيني، لا تُبث هذه الثقافة صدفة. فهي تُغذّى أحيانًا عبر خطاب ناعم، عقلاني ظاهريًا، يرفع شعارات “الحكمة” و“الموضوعية”، لكنه في الجوهر يبرّر ميزان القوة المختل، ويُحمّل الضحية مسؤولية معاناتها، ويعيد تعريف المقاومة بوصفها تهورًا، والصمود بوصفه رومانسية خاسرة.
هنا يظهر المثقف الانتهازي، أو ما يُعرف بـ مثقف السلطان؛ ذاك الذي يكيّف معرفته مع رغبات السلطة، ويستثمر اللغة الأخلاقية لتجميل القهر، ويستبدل سؤال العدالة بسؤال الاستقرار، وسؤال التحرر بسؤال “ما الممكن سياسيًا”. خطر هذا المثقف لا يكمن في صمته فقط، بل في قدرته على منح القمع شرعية ثقافية، وعلى تحويل الهزيمة إلى موقف عقلاني.
في مواجهة ذلك، يبرز المثقف المشتبك؛ لا بوصفه خطيبًا شعبويًا، ولا مروّجًا للشعارات، بل كفاعل أخلاقي ومعرفي ينحاز بوضوح للحق دون أن يتخلى عن النقد. المثقف المشتبك لا يساوم على الحقيقة باسم الواقعية، ولا يفصل المعرفة عن سياقها النضالي، ولا يرى في الحياد فضيلة حين يكون الصراع بين ظالم ومظلوم.
دور المثقف المشتبك هو تفكيك خطاب الهزيمة، وفضح آلياته، وكشف كيف تتحول “الحكمة” إلى أداة تطبيع مع القهر، وكيف تُستخدم “الموضوعية” لتجريد الشعب من حقه في الغضب والمقاومة. وهو، في الوقت نفسه، معنيّ بإنتاج أفق بديل: أفق يُعيد الاعتبار للكرامة، ويوازن بين الوعي النقدي والإرادة الجماعية، ويؤكد أن الهزيمة الحقيقية تبدأ حين يتوقف الناس عن الإيمان بحقهم في التغيير.
في فلسطين، حيث الصراع طويل ومركّب، لا ترف للمثقف أن يكون محايدًا. فإما أن يكون جزءًا من معركة الوعي، أو جزءًا من إدارة الهزيمة.

