خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّوا لنا الوطن
الكاتب: د. عدنان ملحم
نقطة ضوء .
تصريح وزير التخطيط والتعاون الدولي، ومسير وزارة المالية إسطفان سلامة، عن الوضع المالي السيّئ الذي يحيط بفلسطين، وقوله: “إمّا أن نصمدَ معًا، أو ننهارَ معًا. المرحلة الحالية تستوجب أن نعملَ معًا لننجوَ معًا، أو نهلكَ معًا”؛ ليس تحليلًا اقتصاديًا عابرًا، بل هو صرخة صريحة مدوّية. لكن يبقى السؤال الأخطر: مَن الذين سنصمد معهم؟ ومَن الذين سننهار معهم؟ في وقت صعب يواجه الشعب الفلسطيني الأعاصير التالية:
سياسيًا:
لا يعرف كيف تُدار البلد، وكيف تُصنع القرارات، ومن يملك الحق في تقرير المصير الجمعي داخليًا وخارجيًا. فوضى مؤسساتية، وعشوائية إدارية، وضعف في آليات صناعة القرار والشفافية والمساءلة.
اقتصاديًا:
حصار احتلالي سياسي واقتصادي خانق ، موارد مسلوبة محجوزة، اقتصاد يعيش على أجهزة التنفّس الاصطناعي. كارثة مفتوحة: فقرٌ يزداد، بطالة متوحشة، أكثر من 250 ألف عامل كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني باعوا ما يملكون ليبقوا أحياء. أسواقٌ وجيوب منهكة، وقطاعٌ خاص يختنق. رواتب منقوصة تعود إلى 291,884 شخصًا، وديونٌ تقفز إلى 15 مليار دولار .
ميدانيًا:
استيطانٌ ومستعمرات ومزارع وطرق، حواجز وبوابات وأبراج وكاميرات، ووطنٌ مستباح من قبل حكومة تل أبيب. مخيّمات مدمّرة، واعتقالات لا تتوقف، وسجناء يواجهون الموت والجوع والبرد. قرى وبلدات وأغوار تُحرَق وتُدمَّر وتُفرَّغ من سكانها. أسرى وجرحى وشهداء يُدفعون إلى هامش الذاكرة وقلب الحاجة والنسيان. مدارس وجامعات ومناهج تترنّح، ومشافٍ ومراكز صحية شبه فارغة، ومرضى ينامون على حوافّ الوجع ينتظرون الدواء والغذاء.
وفي خضمّ كل ذلك، يجري تنفيذُ إعدامٍ بطيءٍ للوعي الوطني؛ نضالٌ ترك ساحة المعركة قبل أن تنتهي، منشغلًا بغنائمٍ صغيرة، وصلبٌ لكل قامة وحدوية أو نقدية أو مبدعة، وإيداعٌ للوظائف والمناصب في زنازين الصمت، ودفعٌ للجماهير نحو تخوم اللامبالاة.
وفي الخلفية: سفارات معظمها مشلول، وانقسام وصراع سياسي حاد ينهش الجسد الوطني، وغياب للشفافية، واتهامات وتخوين، وفساد يتكاثر كالفطر في كل زاوية. حكومة ووزراء لا يملكون من الأمر شيئًا، وحركة وطنية وفصائل مشلولة تائهة تجمع المناصب والثروات والرتب. نقابات واتحادات ومجالس طلبة غائبة عن الوعي، وشعب يُقتل ويُدمَّر ويُطارَد في قطاع غزة والضفة الغربية.
يقول الوزير: نعملُ معًا لننجوَ معًا. جميل جدًّا، ولكن ما المطلوب منّا نحن؟ ومن هم “معًا”؟ الموظفون؟ الشعب؟ الفقراء؟ أم الحكومة التي لم تستطع إيقاف عجلة الفشل والديون والترف؟
شخّص الوزيرُ المرضَ بشجاعة، نعم، ويعرف — كما كل فرد في فلسطين — أنّ العلاج يحتاج إلى ثورة حقيقية في العمق السياسي والاقتصادي والوطني والثقافي والفكري . صوتُ الشعب المرهق يطالب بمراجعة حقيقية لبوصلة وهياكل السلطة الوطنية: تقليص الوزارات والمؤسسات والمناصب، ترشيد النفقات، تقليص أعداد السفارات، خفض رواتب كبار المسؤولين، وقف السفريّات والنثريات والمؤتمرات، تجميد أسطول السيارات الحكومية، وفتح ملفات الفساد بلا حصانات ولا مجاملات: محاكمات علنية، واسترداد المال العام دون تردد، ووضع حدّ لنفوذ هوامير المال والشركات الكبرى، ودمجهم في معارك الدفاع عن شعبهم.
لا إصلاح يبدأ من جيوب الناس بينما جيوب الطبقات المخملية محمية. فالشعب قدّم كل ما يمتلك… والآن الدور على النظام السياسي والوطني والاقتصادي: إمّا أن يبدأ إصلاحًا جذريًا حقيقيًا… أو ليعلن صراحة أننا نسير جميعًا نحو الهاوية.
شعبُنا هو السندُ الأخير والركيزة الأهم؛ فهو شعبٌ لا يعرف الاستسلام، ولا يقبل أن تُحرَّف بوصلة الوطن أو تُمسّ شرعياته وعناوينه: منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية- رغم مرضهما المستعصي - وسيُعبّر، بروح مسؤولة، عن حرصه على حضور حركة فتح ودورها النضالي والتاريخي ، وعلاج حالتها ، وتماسك النسيج الفلسطيني بكل فضاءاته ، فقدرنا الرئيس الوحدة وبناء جسور التواصل والثقة والبحث عن قواسم مشتركة وخطوط عمل متجانسة.

