بيت لحم الراهب الذي هزم الجنرال والسلام الذي هزم الحرب
الكاتب: د. ناصر اللحام
حين طلب الرئيس ترامب في 2017 زيارة بيت لحم كان على درب كل رؤساء العالم قبله، وسبقه الفرنسي وملك إنجلترا وقيصر روسيا وغيرهم كثر.
وحين زار قداسة البابا بيت لحم أوقف سيارته الزجاجية عند قبة راحيل مستغربا كيف يبني الاحتلال جدارا بارتفاع 15 مترا وسط مدينة سياحية مقدسة !! نزل من سيارته كاسرا بروتوكول الزيارة وصلى من اجل ان يسقط الجدار ويعم السلام .
كان أغسطس قيصر اقوى من الرئيس ترامب وأمر بعمل إحصاء لكل سكان العالم ، وكان الملك هيرودس اقوى من نتانياهو ، وكان الرومان اقوى من حلف الناتو ، وكانت العذراء مريم اضعف من الفلسطينيين الان وأشد بؤسا .. ضاقت بها الدنيا فانتقلت من الجليل الى الناصرة الى القدس وصولا الى مغارة بائسة في بيت لحم لا تملك معها الا طفلا رضيعا .
كان العسس والجواسيس يملؤون الأرض بحثا عن هذا الطفل لقتله وكانت العذراء هي المرأة الملتحفة بالشمس" تتحمل اضطهاد الشيطان وأتباعه، مما يستلزم قوة إلهية وحماية، لكنها تنتصر في النهاية. والعذراء لم تختبئ بالمعنى الحرفي للكلمة بل انسحبت للتأمل في اوج صراع روحي بين الخير والشر .
لا يتطلب الامر كثيرا من أجل ان تكون انسانا ضعيفا ومؤمنا ، ولا يتطلب الامر اكثر من اجل ان تنتصر ويكفي ان تعرف الطريق الصحيح من اجل الابتعاد عن الشرور والقتل واتباع طريق الخير والمحبة .
وسط الحرب الدائرة وفي أتون الجحيم الذي يعيشه الفلسطينيون داخل السجون الصغيرة وداخل السجون الكبيرة . وفي الوقت الذي يتسابق فيه المتطرفون وجنرالات الحرب على إيقاع اكبر الأذى وأشد الشرور على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين . قررت بيت لحم ان تعود لاحتفالات أعياد الميلاد المجيدة وان تنشر رسالة السلام والمسرة لان هذا هو دورها عبر التاريخ . وحين تستمع الى قادة الكنائس في بيت لحم تجد نفسك تصغي الى كلام بسيط وسهل لم يتلوث بالسياسة الراهنة ولكنه هو الكلام الذي يمثل الخير في وجه الشيطان. حين تجلس وتراقب كلمات الاب إبراهيم فلتس هذا الراهب القادم من ارض مصر ليعيش في بيت لحم .. فأنت تستمع الى كلام طيب دافئ وبسيط ، كلام اب الى أبنائه وكلام اخ الى اخوته . والدارج ان رسالة المحبة والسلام ليست موجهة لأهل بيت لحم وانما الى كل شعوب العالم على اختلاف هوياتهم .
في شوارع بيت لحم العتيقة وفي درب مغارة الحليب وساحة المهد تجد نفسك تحج الى الماضي ، هنا مشى المسيح وهنا وقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصلى في هذا الجامع ووقع العهدة العمرية ، هنا كانوا مؤمنين وصادقين زرعوا المحبة كرسالة تذكر الخراف الضالة التي لا تفكر سوى في القتل والعدوان .
بيت لحم ثمانية أجزاء : ثلاث مدن مسيحية هي بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور , وثلاثة مخيمات هي الدهيشة وعايدة وبيت جبرين. والريف الغربي مثل بتير وحوسان ووداي فوكين والخضر . وأخيرا الريف الشرقي مثل تقوع وزعترة والتعامرة حتى تخوم البحر الميت .
احتفال بيت لحم هذا العام ليس مجرد خبر عابر . وانما رسالة الى كل العالم ان هناك بشر لا يفكرون في الحروب والقتل ونهب النفط والغاز . ان هناك أقوام وشعوب تركض في الشوارع القديمة جاءوا من أعالي اثيوبيا وهضاب افريقيا ، جاءوا من استراليا وكندا وامريكا ، جاءوا من عكا وحيفا والجليل وصعيد مصر وجزر اليونان ليرتلوا عبارة واحدة لا تستطيع كل جيوش العالم مسحها :
المجد لله في العلى
وفي الأرض المسرة
وعلى الناس السلام .

