مجلس السلام في مرحلة العناوين
الكاتب: رأي المسار
زفّ الرئيس ترمب للعالم بشرى قرب إعلان ولادة مجلس السلام الذي سيترأسه لتنفيذ مبادرة العشرين بنداً التي أطلقها لوقف الحرب على غزة والانطلاق منها إلى ترتيب أوضاع الشرق الأوسط بإنهاء حروبه وتحويله إلى منطقة أمنٍ وسلام، بما يجدر تسميته "بشرق ترمب الجديد".
في الزمن الذي يُعتبر فيه التفاؤل سذاجة، خصوصاً حين يكون الأمر متعلقاً بمسألةٍ طرفاها ترمب وحليفه أو أداته نتنياهو، فإننا كعرب وخصوصاً كفلسطينيين نجد أنفسنا بحاجةٍ إلى استخلاص إيجابياتٍ مهما بدت محدودة، ليس رهاناً على انها ستقودنا إلى تحقيق أهدافنا، وإنما إلى إبعاد آفة اليأس القاتلة عن نفوسنا، وتزويد كفاحنا الصعب بمسوّغات أملٍ تعيننا على المواصلة.
ولقد سجّلنا بموضوعية رزمة إيجابياتٍ تضمنتها مبادرة ترمب، منها خفض مستوى النار والدمار في حرب غزة، التي بلغت على مدى سنتين حدود حرب الإبادة.
وسجّلنا كذلك بإيجابية تخلّي ترمب عن جنون الريفييرا وتهجير أهل غزة، ولو أن التخلّي ينطبق عليه القول مكرهٌ أخاك لا بطل.
وسجّلنا كذلك بإيجابية، ذهاب ترمب إلى مجلس الأمن، واستصداره قراراً يشير إلى فتح مسارٍ سياسيٍ نحو حل القضية الفلسطينية.
وسجّلنا بإيجابية كذلك، تصريحه بشأن الضم الذي اتخذت إسرائيل فيه قراراً في الكنيست، وما زالت حكومتها تتحدث عن أنه ما يزال على جدول الأعمال.
تسجيل الإيجابيات من جانبنا لا يعفينا من تذكير المتفائلين بأننا ما نزال في مرحلة العناوين التي تنطوي على إيجابياتٍ بينما إسرائيل المدللة تضع للعناوين تفسيرها الخاص بها، وهو ما نراه حالياً من استمرارٍ للحرب والمجاهرة بأجندات ما بعدها.
يتشكّل مجلس السلام ويضم عدداً كبيراً من زعماء العالم، بينما إسرائيل تمارس وبتسارعٍ كأنه سباقٌ مع الزمن، أقصى ما تستطيع لإعاقة تحقيق سلامٍ أساسه قيام الدولة الفلسطينية، على أرضها المعترف بها دولياً دون أن نسمع من رئيس مجلس السلام، ولو كلمةً واحدةً تدين ما تفعله إسرائيل أو حتى تنتقد.
يتشكّل مجلس السلام ويعلن، بينما إسرائيل تواصل حربها وحصارها، وتضاعف ممنوعاتها بشأن غزة التي ما يزال الناس فيها، وللموسم الثالث تحت رحمة البرد والمطر والجوع والموت، وليحمي الله أهل غزة من العاصفة القاتلة التي قد تجرف مزق الخيام ومن يعيش فيها من آدميين لا مأوى لهم غيرها.
قبل أو مع مجلس السلام لابد من مقدمّاتٍ مشجعةٍ على الأرض، كي نجد مسوغاتٍ للتفاؤل، بأن هذا المجلس حقيقيٌ وفعّالٌ وليس مجرد عنوان، سنظل ننظر بإيجابيةٍ لما تحقق بالنسبة لغزة، بمقياس السيء والأقل سوءاً، غير أن صدقية الرئيس ترمب ومجلس السلام، تتوقف على رؤية مقدماتٍ عمليةٍ تشجّع على التفاؤل حقاً، بأن يكون آليةً دوليةً تعمل، وبصورةٍ جديةٍ لبلوغ سلامٍ حقيقي، وليس مجرد عنوانٍ يضاف إلى مئات العناوين التي سبقته ولم يكن لها من نتيجةٍ سوى بقاء الفلسطينيين ينتقلون من كارثةٍ إلى أخرى تحت سمع وبصر العالم وأمريكا بالذات.
حتى الآن فإن ما نراه بكل أسف، هو مبالغةٌ أميركيةٌ في استرضاء إسرائيل، وآخر ما حُرر حكاية الأونروا التي رفعت إسرائيل علمها على مبناها في القدس المحتلة، ووعدتها أميركا بدراسة تصنيفها بالإرهابية.

