ميزانية الحكومة الإسرائيلية لعام 2026: ثلاث سيناريوهات تحسم الطريق
الكاتب: فادي قدري أبوبكر
أقرت الحكومة الإسرائيلية ميزانيتها لعام 2026 بقيمة 662 مليار شيكل، وهي الأكبر في تاريخها، متجاوزة ميزانية العام الماضي التي بلغت 650 مليار شيكل. وقد جاءت الميزانية بعد تأخر غير مسبوق في إعدادها وغياب رئيس دائرة الميزانية لعدة أشهر، إضافة إلى إدارة عدد من الوزارات من قبل وزراء بالإنابة، ما يعكس الفوضى الداخلية داخل الحكومة وأهمية تمرير الميزانية بسرعة لتجنب أزمة سياسية قد تؤدي إلى حل الكنيست.
سجلت الميزانية عجزاً مالياً نسبته 3.9% من الناتج المحلي، أي نحو 78 مليار شيكل، نتيجة زيادة النفقات على برامج وزارة الحرب والمستوطنات، مع بعض التنازلات في الإجراءات التقشفية. ويعكس هذا العجز الأولويات الحقيقية للحكومة الإسرائيلية، التي وضعت برامج توسيع السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتمويل المستوطنات والسياسات العسكرية في المقام الأول، قبل أي استقرار اقتصادي كامل.
خصصت الميزانية جزءاً كبيراً من نفقاتها لوزارة الحرب وبرامجها المختلفة، بقيمة 112 مليار شيكل، يشمل ذلك تمويل الموظفين الدائمين والاحتياطيين، إلى جانب المشاريع المرتبطة بالحفاظ على السيطرة الإسرائيلية في الضفة. وتعكس هذه النفقات حرص الحكومة على ضمان استمرارية برامج الحرب ضمن الموارد المخصصة، ما يؤكد المكانة العالية التي تحتلها وزارة الحرب ضمن أولويات ميزانية 2026.
على الصعيد الاجتماعي، ركّزت الميزانية على دعم الطبقة الوسطى داخل إسرائيل، عبر توسيع الشرائح الضريبية للرواتب، ورفع الإعفاءات الضريبية على الاستيراد، وتأجيل فحص السيارات الجديدة وإلغاء اختبار القيادة الداخلي لتخفيف الأعباء على المواطنين. وتهدف هذه الإجراءات إلى استقطاب الدعم الشعبي وتعزيز شرعية الحكومة عبر تحسين أوضاع الطبقة الوسطى، بما يضمن قاعدة شعبية أوسع لدعم سياساتها.
كما تضمنت الميزانية إعفاءات ضريبية للمهاجرين الجدد خلال السنوات الأولى من هجرتهم، في إطار سياسة الحكومة لتعزيز الهجرة اليهودية وزيادة التركيبة السكانية الداعمة للمستوطنات. وفرضت الحكومة أيضاً إجراءات تقشفية مثل ضريبة 1.5% على أراضي البناء، وضرائب على المستثمرين العقاريين والبنوك، مع استمرار تجميد بعض الشرائح الضريبية وزيادة الاشتراكات الوطنية، وإلغاء بعض التخفيضات المخطط لها سابقاً مثل إزالة إعفاء ضريبة القيمة المضافة على السياحة.
وفي قطاع الألبان، تم إقرار إصلاحات شاملة على الرغم من المعارضة، وسط تهديد بعض النواب بإلغائها لاحقاً بسبب تأثيرها على المزارع الصغيرة، ما يوضح قدرة الحكومة على فرض أولوياتها الاقتصادية والسياسية حتى في مواجهة اعتراضات داخلية.
فيما تم تخصيص نصف صناديق الائتلاف البالغة 5.2 مليار شيكل للأراضي الواقعة في الضفة، ما يعكس أولويات الحكومة في دعم المستوطنات وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت نفسه، حرصت الحكومة على الحفاظ على التوازن داخل الائتلاف السياسي، بما يشمل الحريديم والقوى الدينية الأخرى، لضمان استمرار الدعم السياسي واستقرار الحكومة، عبر الحفاظ على البرامج القائمة دون أي زيادة مالية مباشرة كبيرة لهذه القوى.
تُظهر الميزانية ثلاثة سيناريوهات محتملة لإقرارها في الكنيست، مع مراعاة تأثير الحريديم كعامل مؤثر ضمن عوامل أخرى داخل الائتلاف والمعارضة:
السيناريو الأكثر ترجيحاً: هو تمرير الميزانية كما هي مع تعديلات طفيفة لتلبية اعتراضات بعض النواب داخل الائتلاف، بما يشمل الحريديم، لضمان استمرار مشاريع وزارة الحرب والمستوطنات وسياسات الهجرة اليهودية، مع الحفاظ على الدعم الشعبي عبر تحسين أوضاع الطبقة الوسطى. وفي هذا السيناريو، يُرضى الحريديم بالتنازلات المقدمة لهم، ولا يهددون حجب الثقة، بينما يظل بقية أعضاء الائتلاف والمعارضة متوافقين نسبياً مع البنود الرئيسية.
السيناريو الثاني: هو تعديل الميزانية بشكل جوهري، مثل خفض تمويل بعض المشاريع أو تعديل الضرائب، وربما تعديل بعض التنازلات المقدمة للحريديم. ويعتبر هذا السيناريو أقل احتمالاً، لكنه وارد، خصوصاً إذا شعر الحريديم أن التنازلات المقدمة لهم غير كافية، أو إذا أبدى أعضاء آخرون في الائتلاف اعتراضات قوية على بعض البنود. في هذه الحالة، قد يستخدم الحريديم تهديدهم بحجب الثقة كأداة ضغط ضمن مجموعة عوامل أكبر، لإجبار الحكومة على إعادة التفاوض والتسويات لضمان تمرير الميزانية.
السيناريو الثالث: وهو رفض الميزانية أو عدم المصادقة عليها، ويصبح احتمالاً أكبر إذا تصاعدت اعتراضات الحريديم أو بعض أعضاء الائتلاف الآخرين، أو إذا رفضت المعارضة في الكنيست تمرير الميزانية. وفي هذه الحالة، فإن هذا سيؤدي يؤدي مباشرة إلى سقوط الحكومة وحل الكنيست، ما يفتح الباب أمام انتخابات مبكرة وإعادة توزيع الأوزان السياسية داخل إسرائيل.
تعكس ميزانية 2026 أولويات الحكومة اليمينية في تعزيز برامجها العسكرية والاستيطانية والسياسات الديموغرافية، مع دعم الطبقة الوسطى والمهاجرين الجدد، بما يعزز نفوذ الحكومة داخلياً ويزيد القيود على السلطة الفلسطينية، ويفاقم التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

