كيف تكون وطنياً..؟
الكاتب: صالح الراشد
الوطنية حالة إنسانية سليمة تنعكس على فكر المواطن ونهج حياته، فليس المطلوب أن تغني ولا "تدبك" في الحفلات حتى تكون وطنياً، كون هذه مظاهر لا تعبر عن جوهر الإنسان الوطني والوجودي، وحتى تكون وطنياً ناضجاً قادراً على إحداث الفرق وتكون عاملاً مساعداً لنهضة الوطن لا تحتاج لشهادة دكتوراة في علوم السياسة والإدارة، بل تحتاج لبوصلة داخلية سليمة، تعمل بقوة الأخلاق والعادات ومعايير الصدق والنزاهة والخير والحق والجمال، وتقول الحق والصدق ولا تُنافق فالنفاق بحب الوطن جريمة لا تقل عن الخيانة، كون المنافق لا يهتم بأمر نهضة الوطن بمقدار اهتمامه بنهضته هو شخصياً وهذا معيار من معايير الخيانة، كون الخائن يحلل ما يفعل لاعتماده على مقياس ميكافيلي بأن الغاية تبرر الوسيلة.
وحتى تكون وطنياً حقاً فإنك لا تحتاج لسلطة ورجال أمن يفرضون رقابتهم عليك، بل تحتاج للرقابة الداخلية النابعة من مجموعات القيم والأخلاق الأصيلة، لدرجة أنها تغنيك عن فتاوى رجال الدين والمصلحين وشعارات الأحزاب القومية الرنانة، مما يعني أنك تحمل الخير ومحبة الجميع والوطن بين جنباتك وفي قلبك وعقلك، وعلى الإنسان السليم الإدراك بأن الأخلاق ليست ترفاً بل نهج حياة لحماية المجتمع الشمولي، وحينها يدرك الإنسان أن الكذب عار ، وخداع الآخرين مهانة للفكر، وأن تبرير الخطأ والفساد والمحسوبية مصيبة كبرى بحق الوطن والمواطن، وهذه الخطيئة يقودها من يجيدون نظم الكلام ويرفضون المحاسبة معتقدين أنهم فوق القانون أي فوق الوطن، وعلى المجتمع السوي السليم الإدراك بأنه لا أحد فوق الوطن.
ويصبح الوطن في خطر وبحاجة للصدق في القول والعمل وتطبيق العدالة، حين يختفي العقلاء من المناصب بحجبها عنهم ويسود جهلاء الفكر من حملة الشهادات، القادرين على الإلتفاف على القوانين، وتبرير أخطائهم وتحميلها لغيرهم وبالذات للمجتمع واعتباره هو المُقصر، وفي ظل انتشار أكاذيب من يحملون الأسفار تتحول المفاهيم وتذوب القيم فيصبح الفساد فن ومهارة والكذب إبداع ، وهنا تتراجع قيمة القانون لتحوله لقانون انتقائي يُطبق حسب المكانة الاجتماعية، لتصبح المجتمعات بحاجة إلى خوض معركة ضد الجهل المجتمعي الأخلاقي بسلاح العلم بالأخلاق.
والغريب في مراحل البناء الحقيقية أن المدارس لا تركز على الوطنية الحقيقية بل تعلم الطلبة صورة التاريخ والجغرافيا والدين للوطن وليس الجوهر الحقيقي، ولا تعلمهم معنى حساب الذات واحترام الآخرين والصدق في المعاملة والقول، وأن الوطن ليس منصباً تسعى إليه في مراحل حياتك، بل بيت أمان تبنيه بالمحبة والاحترام، فالمدارس في العصر الحديث وكذلك الجامعات تُعلم جميع الاختصاصات لكنها لا تعلم الوطنية بثوب الأخلاق والضمير الوطني الحامي والمدافع عن كل موجودات الوطن، انتهاءً بزراعة الوعي الأخلاقي القادر على صناعة حُماة الديار، و حتى يكون الشعب في غالبيته وطنياً فعلى وزارة التربية والتعليم في شتى البلاد، أن لا تكتفي برفع شعار التربية قبل التعليم بل تعمل لتحقيق هذا الهدف، الذي أصبح في العصر الحالي شعار يشوبه عيب في التطبيق، فيصنع جيلاً قصير النظر يرى الوطن هدفاً ولا يراه حياة.
آخر الكلام:
يقول العالم الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فايمان الحاصل على جائزة نوبل : "لا تخلط أبدا بين التعليم والذكاء، يمكنك الحصول على درجة الدكتوراه وتظل أحمقا".

