كيف تكون أكثر انتاجية وإبداعًا في حياتك وعملك؟
الكاتب: بكر أبوبكر
عمِلنا في مجال الثقافة والفكر والأدب والسياسة والقضية والثورة والتاريخ والنقد والابداع... متأملين متعلّمين ونشِطين مُنتجين، ومحفّزين داعمين. وكتبنا آلاف المدونات والمقالات، وعشرات الدراسات والأوراق والكتب وهذه مساحة عقلية ضرورية للوعي وامتلاك الخلفية الفكرية الصلبة مع المنهج العقلي الثري والمنفتح.
وعقدنا عبر ممرّات ومنعطفات ودروب حياتنا كشخص (على سبيل نجاة) أو مع الزملاء آلاف الاجتماعات الثنائية والجماعية، والورشات والندوات والدورات، ومارسنا فن الحديث والخطاب والمحاضرة، والتنمية الذاتية والجماعية التنظيمية والتدريب وإعداد الكوادر سنوات طوال مليئة.
وخلال تلك الفترة الثرية تعلمنا نحن كمدربين–في هذا المقام، المقال-الكثير من المتدربين فلم تكن العلاقة أصلًا بين الطرفين بغض النظر عن السنّ بمفهوم الأستذة أي افتراض أن المدرب أو المحاضِر يفهم كل شيء! ويمتلك كل الحقائق بل هو يُلِمُ بالموضوع ويجب أن يلمّ به بمنطق الوفرة التي نطلبها من المحاضرين أو المدربين بمعنى تحصّله على المادة اللازمة لمحاضرته وزيادة، ليكون سلسًا متدفقًا، وبافتراض امكانية الأسئلة المباغتة أو المشاكسة أو المخالفة التي وجب أن يتجهز لها، لذا كانت وفرة المعلومات والمعرفة باتجاهات متعددة هي قناة الإحاطة بالموضوع مما نفترضه استنادًا للمادة الأساسية (المقدمة للمدرب والمتدرب) من قِبلنا.
تعلمنا وعلّمنا
تعلمنا الكثير عبر الزمن من الاهتمام بالمشاركين/المتدربين وتتبع أفكارهم وعدم كبح تدفقها والاهتمام بها، وفق النُظم، والإشادة مما هو ضروري والتعبير عن الامتنان والشكر، وتعلمنا حُسن الاستماع مربوطًا بعدم التخطيء الفجّ، بل وبالإشارة اللطيفة لذلك.
ومن المفترض أنه شيئًا فشيئًا (بالقراءة والتجربة والفهم) حققنا أنا شخصيا والزملاء بالمجال القدر المتزن من التحفيز بما لا يؤدي الى الإرباك أو الإشعار بالذنب لسبب الإشارات السلبية أوالمبالغ فيها من بعض المدربين لخطأ المتدرب.
وتعلمنا عبر الزمن أنك بالاحتضان للمتدربين وإتاحة المساحة للتدفق، تستطيع أن تدمج وتجعل المتدرب منخرط داخل الاجتماع أو الورشة أو الحوار، أو الدورة التي أهم أهدافها مما درجنا على قوله ثلاث مسائل هي: الاستفادة، وتحقيق الاتصالات والعلاقات، والمتعة.
وما كان هذا الاستنتاج الثلاثي الا نتيجة خبرة طويلة طبقناها على أنفسنا أنا وزملائي المدرّبين، وكانت ذات فائدة ذاتية علينا كمردود، وبالتالي يصبح نقلها للمتدربين أن نكون معهم ويكونوا معنا على ذات الايقاع.
إن الرغبة المسبقة للمتدرب أو المشارك بالورشة أو الدورة تمهد لك السبيل لعملية البِذار، أما الرفض النفسي للانخراط فإنه يجعل المشارك عابثُا، أو منسحبًا أو معطلًا. إلا إن استطعت كسبه وجذبه لك والفعالية من البدء.
البدء بالتواصل
ومن هنا فلقد ركزنا في مختلف دوراتنا السياسية والفكرية والتنظيمية وفي بناء الشخصية والذات...الخ على ضرورة البدء بالجذب والكسب والاستقطاب للمشاركين والانفتاح.
وما أفضل من إحداث ذلك الا عبر آليات التعارف الجميلة وآليات التواصل المقترنة بسلسلة من التمارين اللطيفة سواء الفردية أوالجماعية، الجسدية أو الورقية الذهنية، وما يشكل المدخل الحقيقي لعكس أو مواجهة مفهوم الرفض النفسي لأي شخص قد يكون حضر بشكل غير طوعي، أو لمجرد الحضور أو لتمضية وقت! مما صادفناه ببعض الدورات.
الرغبة أساس
بكل وضوح فإن الأصل هو أن يكون المشارك/المتدرب لديه الرغبة الذاتية-وفي هرم ماسلو السباعي (وليس الخماسي المنتهي أمره) الكثير مما نفهمه- إذ أن الحافز الخارجي قد لا يكون ذو فعالية كبيرة في دفع المشارك للفهم والاستجابة بقدر ذاك الداخلي.
وعليه لا يكتفي أو يجب ألا يكتفي منظمو الدورات والاجتماعات والحوارات والورشات بل والمؤتمرات بإلقاء المحاضرات ما هو النسبة الأكبر للآلية.
بل أوجبنا ضرورة البدء بالتواصل المتبادل، ثم بتقليص زمن المحاضرات، مع احتفاظ كل محاضرة بعناصرها الجاذبة سواء بالمقدمة أو المحتوى أو الخاتمة الشادّة والمؤثرة.
وألقينا في روع المشاركين أنكم مسؤولون كما الحال من المدربين، ولكلّ دوره الذي أوجدناه من خلال فكرة الحلقات النقاشية والتمارين والتكليفات والطلب من المشاركين أفرادًا ومجموعات أن يكون لهم دور سواء بالحوار أوالاستنتاج أوالالقاء للحديث (الخطاب)، والتعبير عن الذات أو المجموعة أو بالقيام بعمل محدد آني او مستقبلي.
الاكتشافات المذهلة
فكرة هرمون "الدوبامين"، ودوره لدى الأشخاص في حياتهم عامة (هي 3 أو 4 أساسية من المواد أوالهرمونات/النواقل العصبية مع الدوبامين) لم تكن في بالنا، فلم نكن قد درسناها بعد، ولما جاء الوقت وأصبح الموضوع (التثقيفي التربوي والتدريبي والبنائي) ذو صلة بهذه المواد أو النواقل الكيماوية التي تتحكم بالدماغ، اكتشفنا أننا كنا قد فهمناها، أو أثرَها بدون المعرفة العلمية بها، ما يدلّل على أهمية التجربة إضافة للقراءة العميقة والعِلم بالطبع ما يجعلك تفرح وتسعد أنك على الطريق الصحيح.
في مقال للكاتب "تشيشاير تشاتون" حول (الانتاجية العصبية) يذكر الهرمونات (النواقل) العصبية التالية ودورها حيث: السيروتونين: يجعلك تشعر بالهدوء/الثقة، والدوبامين: يجعلك تشعر بالسعادة/المكافأة، والنيورودرينالين (أو النيوروبينفرين): يجعلك تشعر باليقظة، بينما الأستيل كولين: يساعدك هذا على التركيز، وعليه يطرح العلماء آليات بسيطة ولكنها مثمرة لتفعيل عمل هذه النواقل العصبية.
الانتاجية العصبية
لنا أن نقول ونكرر أن مما تعلمناه وعلمناه لاحقًا كقواعد في دوراتنا وجدنا لدينا-فيما تعلمنا وكتبنا اوعلّمنا- توافقات مع المضامين العلمية ذات الطبيعة العقلية والنفسية والعصبية، بحيث يحقق التوازن المطلوب لتحقيق الانتاجية، والابداع والفعالية كما في معادلة (الدكتورة فريدريك فابريتيوس) بين ثلاثية: المرح والسعادة أو المتعة من جهة، مع الخوف والتحفيز ثانيًا، وثالثًا مقابل التركيز وعدم التشتت مقابل ثلاثة نواقل عصبية (وليس 4 هذه المرة) هي الدوبامين والنورادرينابن والأستيل كولين، لتحقيق الانتاجية العصبية.
إن هذه الإنتاجية العصبية تعرف بأنها (علم تدريب ودعم المسارات الكيميائية العصبية الموجودة مسبقًا في دماغك من خلال تحفيز الهرمونات والناقلات العصبية التي تنتجها بالفعل).
وكنا قد بدأنا مقالنا هذا بإيراد عدد من الأساليب المجرّبة التي تحقق ذلك دون علمنا بعلم الأعصاب حتى تاريخه، وأشرنا للفرق مع الأهمية للعلم والتجربة.
وعمومًا يذكر العلماء أساليب لتدريب وتفعيل الانتاجية لديك ما يفعل عمل النواقل العصبية الثلاثة اوالأربعة مثل:
1-تعرّف على نظام المكافأة الخاص بك (ما يجعلك تشعر بالمتعة والسعادة والفرح). وقم بإنشاء نظام جديد إذا كنت بحاجة إليه
2-أنشئ ضغطًا إيجابيأ: والخروج من منطقة الراحة، فإذا كنت لا تشعر أن الانضباط الذاتي يفعل ذلك من أجلك، فيمكنك أيضًا الالتزام علنًا بإنهاء مهمتك/عملك/واجبك في موعد استحقاق (كمثال).
3-قم بإنشاء بيئة (مكانية وزمانية ونفسية...) تساعدك على البقاء مركزًا، وبعيدا عن الحاح الاشعارات للأجهزة مثلا
4- تنفس وتأمل
5- انتبه لما تأكله
6- ممارسة الرياضة
7- النوم، النوم، النوم: حيث تحتاج إلى معرفة إيقاعك اليومي، ومعرفة ما هو الأفضل لك، ومحاولة القيام بكل ما في وسعك للحصول على نوم جيد.
ومن النصائح لتحقيق نوم عالي الجودة: النوم والاستيقاظ في وقت منتظم، وتجنب الشاشات لمدة 30 دقيقة على الأقل قبل النوم، وحاول الاسترخاء لمدة 40 دقيقة على الأقل قبل النوم من خلال التأمل أو القراءة الخفيفة. والنوم في بيئة هادئة.
8- تحديد أولويات المهام (الأعمال/الواجبات)، وقصّر الأوقات الطويلة للمهام
9-نظم بيئتك المادية
10- إدارة الحدود، وتعلم قول لا وتخصيص الوقت، والتعاطف مع تنوعات الآخرين.
التركيز والتوازن
ومن هنا أيضًا كان مجال تركيزنا الدائم على قيمة التوازن بالحياة والمجتمع والتنظيم (المنظمة) والذات والعلاقات عامة، وباعتبار الدماغ والعقل هو المطلوب منه إحداث هذا التوازن -في ظل توازن إغناء الشخصية بالأمور الأربعة الرئيسة: الجسدية والنفسية والروحية والعقلية.
وفق أحد التفسيرات الجميلة للآيات الكريمة من سورة الرحمن (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)) حيث يتجه التفسير نحو أن الميزان هو العدل، وقيل الناموس وقيل القرآن الكريم، وقيل الحكم ولا حكم بلا عقل.
لذلك وفي تفاسير جديدة أنه العقل المستبين بين الحق والباطل، وبين الفواصل الكثيرة فيما هو بالدماغ، وكل الشؤون الانسانية مما نجده على سبيل المثال في معادلة المرح والخوف والتركيز العلمية للدكتورة "فابريتيوس" وتحقيق التوازن بينها ما هو قدرة أو مهارة يجب تعلمها لنحقق عملنا بالحد الأقصى من الانتاجية والفاعلية والابداع.

