الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:32 PM
المغرب 5:01 PM
العشاء 6:16 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قانون العمل  الفلسطيني: الإصلاح المتعثر وعواقبه على ظلال العقد الاجتماعي

الكاتب: منير قليبو

من التجربة إلى الأزمة المؤسسية

في عام 2008، تلقيت تكليفًا بتمثيل منظمة العمل الدولية (ILO) في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وكان من أولويات شروطي المرجعية حينها مساعدة الشركاء الثلاثيين — الحكومة، والنقابات، وأصحاب العمل — على مراجعة قانون العمل الفلسطيني وتشريعاته خلال مدة اقصاها ثلاث سنوات.

اليوم، وبعد سبعة عشر عامًا من ذلك التاريخ ، ومنذ مغادرتي المنصب متقاعدًا في عام 2023، لم اسمع او اشهد اي اصلاح او تعديل يذكر عن واقع تعديل القانون ولا يزال القانون الصادر عام 2000 بانتظار التعديل والمراجعة. ومع احترامي وتقديري لكل من حاول الدفع بهذا الملف قدمًا، إلا أن استمرار هذا الجمود لا يعكس قصورًا إداريًا فحسب، بل يشير إلى خلل هيكلي عميق في منظومة التشريع وأولوياتها الوطنية ولا اعتقد ان للاحتلال اي اثر مباشر يذكر في هذا الشأن الداخلي والمحدد بتعديل قانون عمل .

من الجدير بالذكر هنا ان أي سوق عمل متوازن يحتاج إلى مثلث متكامل من الركائز لا بد من ذكرها للأهمية :
 1. تشريع عمل عادل وحديث يواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.
 2. نظام حماية وضمان اجتماعي شامل يوفر الحماية من البطالة، وإصابات العمل، والأمومة، والشيخوخة.
 3. حوار اجتماعي ثلاثي فعّال وملزم بين الحكومة وأصحاب العمل والنقابات العمالية، وفق معايير العمل الدولية (اتفاقيتي ILO رقم 87 و98).

في فلسطين، هذا المثلث وللأسف الشديد اراه متهشم: فقانون العمل وتشريعاته قديم، ومنظومة الحماية والضمان الاجتماعي  متعثّرة، واجندة العمل اللائق معلقة، والحوار الاجتماعي شكلي — وهو ما كنت قد أكدته في مقالاتي السابقة حول “فشل الحوار الاجتماعي” و**“تجميد قانون الضمان الاجتماعي”. 

النتيجة كما ترون  هي فجوة واسعة بين الخطاب السياسي حول العدالة الاجتماعية المنشودة والمغناة والواقع الاقتصادي المرهق للعمال والعاملات**والمحبط لفئة الشباب تحديدا وطبعا للمرأة العاملة ولذوي   الإعاقة

أسباب الجمود: البنية السياسية قبل القانونية

رغم صياغة أكثر من أربع مسودات لتعديل القانون، فإن أيًّا منها لم يصل إلى مرحلة الإقرار ويمكن تلخيص الأسباب الجوهرية في ثلاث نقاط رئيسية:
 
• مخاوف القطاع الخاص من ارتفاع تكاليف التشغيل في بيئة اقتصادية هشة ومفتوحة على الاستيراد.
 • انقسامات النقابات العمالية وتسييسها، ما أضعف تمثيلها وشرعيتها التفاوضية.
 • غياب الإرادة السياسية الحكومية، حيث يُعامل القانون كأداة تفاوضية مع المانحين بدل كونه التزامًا وطنيًا لبناء الثقة بين المواطن والدولة.

الانعكاسات والتداعيات: كلفة الجمود

الجمود في التشريع ليست مسألة قانونية فقط، بل له انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة:
 • ثغرات في الحماية: استبعاد العاملين في الاقتصاد غير المنظم، والعمالة المنزلية، والمرأة وذوي الإعاقة وكذلك استبعاد التجاوب مع العمل الرقمي والمرن.
 • فجوة جغرافية: تباين واضح بين الضفة وغزة والقدس في تطبيق الحد الأدنى للأجور والحقوق العمالية.
 • ضعف سيادة القانون: تقارير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (MAS) تؤكد ضعف التفتيش وغياب آليات الردع.
 • خسائر مالية جسيمة: مليارات الشواقل المهدورة نتيجة غياب الضمان الاجتماعي الفعّال، إضافة إلى حقوق العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر المقدّرة بمليارات الدولارات المعلّقة لدى الجانب الإسرائيلي دون استرداد.

اقتراح خارطة طريق للإصلاح: من الشكل إلى الجوهر

إنّ أي إصلاح حقيقي يجب أن ينتقل من النية إلى التنفيذ، ومن الحوار الرمزي إلى المؤسسية الفعلية وانني أقترح وبتواضع في هذا الإطار:
 1. تشكيل لجنة وطنية مستقلة ذات تفويض محدد بعام واحد، تضم ممثلين عن الأطراف الثلاثة وخبراء مستقلين من منظمة العمل الدولية ومراكز الأبحاث المحلية.
 2. إقرار آلية حوار اجتماعي ملزمة قانونيًا، تضمن مشاركة النقابات الشرعية ومنظمات أصحاب العمل الفاعلة.
 3. تحديث شامل للقانون يشمل العمل المرن والرقمي والاقتصاد الأخضر، انسجامًا مع توجهات خطة التنمية المستدامة 2030 (SDGs 8 و10).
 4. توحيد التشريع جغرافيًا مع مراعاة خصوصية غزة والقدس عبر أنظمة فرعية متكاملة للحماية والرقابة.
 5. دمج قانون العمل والضمان الاجتماعي ضمن استراتيجية وطنية للعدالة الاجتماعية، تُربط بالسياسات المالية والتعليمية والتشغيلية.

الخاتمة: نحو عقد اجتماعي جديد

إصلاح قانون العمل ليس مجرد واجب تشريعي، بل اختبار حقيقي لإرادة الدولة الفلسطينية في تجديد عقدها الاجتماعي. فالعقد الاجتماعي لا يُبنى بالخطب، بل بتحقيق العدالة في العمل والعيش الكريم.

لقد آن الأوان للانتقال من حالة “المراجعة الدائمة” إلى “فعل مؤسسي حاسم”، يرد للعمال كرامتهم، وللمجتمع توازنه، وللدولة ثقة مواطنيها فبدون إصلاح عادل وحديث لقانون العمل، سيبقى الاقتصاد الفلسطيني قائمًا على هشاشةٍ تُنتج البطالة والفقر بدل التنمية والكرامة.

💡 مراجع داعمة

 • منظمة العمل الدولية: تقارير Decent Work Programme for the Occupied Palestinian Territory (2018–2022)
 • معهد الأبحاث (MAS): دراسات Labour Market Policies in Palestine
 • البنك الدولي: Jobs Diagnostic Report for the West Bank and Gaza, 2019
 • اتفاقيات ILO رقم 87 و98 و122 بشأن الحرية النقابية والتشغيل؟

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...