نتنياهو يخطب ود السعودية مجدداً

الكاتب: نبيل عمرو
حتى الآن وإلى أجلٍ غير مسمى، يتحدث نتنياهو عن قرب انتصاره الكامل في غزة، ومن خلال ترويجه للانتصار الذي لم يحدث، يحاول ستر عوراته الكثيرة التي كانت سبباً في طول أمد الحرب، وسبباً قوياً في حال توقفها لأن يغادر إمّا إلى السجن أو إلى البيت.
وإذا ما نجا من العقوبات لدوافع سياسيةٍ وربما أمريكية، وحصل على عفوٍ من رئيس الدولة، ففي كل الأحوال يكون من الماضي.
في أحاديثه الكثيرة التي يخاطب بها جمهور ناخبيه، استخدم عباراتٍ كانت غائبةً عن أدبيات الحرب، مثل قوله في حالة تحقق نصره المطلق فسوف تفتح الأبواب أمام تطبيعٍ شاملٍ بين إسرائيل والدول العربية والإسلمية "السنية".
وقال كذلك إن الهدف الأكبر في هذه الحالة هي السعودية.
نتنياهو أغفل تماماً ما يعرف مصوّراً التطبيع وفق مسار أبراهام، كما لو أنه عمليةٌ تلقائية، ستتواصل عندما ينتصر في الحرب على غزة، ليجلس في مكتبه منتظراً طلبات التطبيع وما عليه إلا أن يضع شروطه للقبول بها أو الاعتذار عنها!
نتنياهو لا تنقصه معرفة وفهم ما يدور حوله، غير أنه دائماً يخفي ما يعرف، وأهم ما يخفي كلمة سر التطبيع وخصوصاً مع السعودية لا يعرفها وحده، بل قبله وبعده رائد مسار أبراهام الرئيس دونالد ترمب.
كلمة سر التطبيع التي يعرفها ولا يبوح بها، هي موافقته على قيام الدولة الفلسطينية التي أوقف الالتزام السعودي بها قطار أبراهام عند آخر محطةٍ وصل إليها، ولم يعد بوسعه الانطلاق إلى المحطة الأخيرة التي هي خلاصة المحطات جميعاً في هذا المسار.. السعودية.
المملكة في هذا الشأن مارست سياسةً تجاوزت مجرد وضع الشروط للتطبيع، بل عملت بكفاءةٍ مشهودةٍ على تحويل مطلب قيام الدولة الفلسطينية إلى التزامٍ دولي، تجسّد في المؤتمر التاريخي الذي عقد في الأمم المتحدة، والذي أعلن فيه ما يربو عن 90% من دول العالم، اعترافها بالدولة الفلسطينية وحتمية إقامتها كضمانٍ أكيد للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
نتنياهو عرف الحقيقة ليس فقط من خلال الاشتراط السعودي الحاسم في مجال التطبيع، وهو قيام الدولة، بل من خلال المقاعد الفارغة التي خاطبها من على منبر الجمعية العامة، وذلك بعد أيّامٍ قليلةٍ من امتلائها ترحيباً والتزاماً واعترافاً بالدولة الفلسطينية.
لقد وصلت رسالة العالم لنتنياهو، عبر ذلك المشهد التاريخي، غير أنه لاذ بغربالٍ مليءٍ بالثقوب لحجب شمس الحقيقة، مفضلاً التحالف مع عتاة العنصريين من أمثال سموتريتش وبن غفير، على إرادة العالم، ليمشي معهم عكس تيار التاريخ الذي يتجه بقوة نحو قيام الدولة الفلسطينية.
حرب غزة سوف تتوقف يوماً قريباً أو بعيداً ونتنياهو يعرف جيداً أن توقفها بأي تسويةٍ أو صيغة لم يكن بفعل انتصاره المطلق، الذي دأب على ادعاءه، وإنما بفعل الضغط الفعّال الذي مارسه قادة الدول العربية والإسلامية، على ترمب، الذي يفترض أن يكون عرف مغزى المقاعد الفارغة التي استقبل بها حليفه نتنياهو، كما يفترض أن يكون عرف كم أوصله تحالفه غير المقدس مع نتنياهو إلى عزلةٍ دوليةٍ شاملة، إذ لم يبق معه إلا دولٌ تعد على أصابع اليدين لا أكثر.
نتنياهو يعرف الطريق الصحيح إلى التطبيع الشامل مع العرب والمسلمين، ويفترض أن يعرفه كذلك الرئيس دونالد ترمب، وقد يكون تجاهل نتنياهو لأقرب مسافةٍ بين نقطتين هو الخط السعودي المستقيم، وعنوانه ومضمونه الدولة الفلسطينية، مفيداً له في أمر الاحتفاظ بناخبيه، إلا أنه في أول الأمر وآخره وهذا ما يعرفه جيداً لن يحرك قطار التطبيع من مكانه المتجمد، ما دام نتنياهو ومن معه يواصلون إنكار ما يعرفون.
إن للملكة باباً واسعاً للدخول إليها، وهو مفتوحٌ على مصراعيه لمن يلبي مطالبها ومغلقٌ بإحكام لمن يسعى لغير ذلك.