والدي ..قم

الكاتب: العميد لؤي ارزيقات
رام الله - المديرية العامة للشرطة
التف الحزن في الأجواء، وعم الصمت أرجاء المكان أمام عظمة مشهد الشهيد المسجى و مرفوعا على أكتاف رفاق شاركوه درب الحياة وخاضوا معه مهام شاقة وأياما وليال طوال.
وجوه شاحبة، وأنوف شامخة وعيون تغلي بالغضب وتفيض بالدموع دموع لم تكن حزنا فحسب بل غضبا مكتوما يكاد يتفجر...
لكن الإرادة كانت حاضرة في وجدانهم والتصميم هو السبيل الوحيد لمواصلة مسيرة زميلهم الشهيد في ملاحقة المجرمين وقلوبهم تنزف ألما وحسرة على فراقه.
وفجأة انكسر الصمت الرهيب وازداد وجع الحاضرين عندما دوى صوت طفل الشهيد — ذاك المكلوم الصغير — وهو يصر على وداع والده المحمول على أكتاف زملائه.
خرجت من فمه كلمات عفوية نابعة من براءة الطفولة فاقشعرت لها الأبدان وارتعدت لها القلوب واهتزت لها الأوطان.
قالها بصوت مبحوح يقطع نياط القلب
أبي... قم
كلمة اخترقت الصمت وشقت القلوب وأبكت العيون وحبست الدموع في المآقي.
رددها الطفل مرات ومرات ينتظر ابتسامة والده المعتادة التي كانت تضيء وجهه وتُبهج أسرته عند كل عودة من الواجب...
لكن الانتظار طال ولم تفتح تلك العينان ولم ترسم تلك الابتسامة بعد الآن.
نظر الطفل إلى وجوه رفاق والده بنظرة طفولية ملؤها الحزن لكنها كانت نظرة حافلة بالعز والفخر.
نظرة حملت رسائل كثيرة لا يعيها إلا الأوفياء، فيها وصية غير منطوقة ..
"أكملوا طريقه... لا تتراجعوا."
فهمها الرجال المكلومون وتعاهدوا على أن يكملوا المسيرة وأن يحفظوا الأمانة، والا يُغلقوا أعينهم عن المجرمين.
كانت تلك النظرة الطفولية درسا خالدا، ومشهدا سيبقى محفورا في ذاكرة القادة والمسؤولين وفي قلوب كل من شهد الفاجعة.
موقف لن ينساه ذلك الطفل ما حيي حين رأى بأم عينه محبة الناس لوالده وعرف "رغم صغره " عظمة الواجب الذي كان والده يؤديه وكم كان ثمن الأمان باهظا... لكنه شريف.