من البيان إلى الميدان.. أين ستتجه إسرائيل بعد عرض حماس؟

الكاتب: بسام زكارنة
االسؤال الأهم الآن: كيف ستقرأ إسرائيل هذا العرض
تبدو إسرائيل اليوم أسيرة لملف واحد يطغى على كل شيء: الأسرى الاسرائيليون والمفقودون فالقضية التي كانت يوماً ورقة تفاوض تحوّلت إلى عبء داخلي خانق يضغط على الحكومة و يهدد بسقوط نتنياهو من الشارع والإعلام وأُسر الجنود أنفسهم.
نتنياهو الان يعيش مأزقاً حقيقياً :
إن أوقف الحرب دون استعادة الأسرى اتُهم بالهزيمة وإن استمر بالقتال دون نتيجة وُصف بأنه يضحّي بجنوده و اسرائيل اصبحت منبوذه بسبب ما تخلفه من ضحايا من الاطفال و النساء و التجويع و قصف المشافي و المدارس و قتل الصحفيين لذلك تبدو أي صفقة تبادل اليوم بمثابة طوق نجاة سياسي أكثر من كونها قراراً إنسانياً .
أما في مواجهة الضغوط الدولية فإسرائيل لا تكترث كثيراً بالبيانات ولا بالتصريحات تاريخياً لم تتأثر تل أبيب إلا عندما تحوّلت الضغوط إلى تكلفة حقيقية عسكرية أو دبلوماسية أو اقتصادية.
وفيما يتعلق بالمواقف الأوروبية فتُعامل لدى نتنياهو كـ “ضوضاء سياسية” يمكن تجاوزها وما دام الدعم الأمريكي مستمرا بالسلاح والفيتو تبقى إسرائيل في موقع الطمأنينة و حتى التحذيرات الأمريكية ان حدثت تُستوعب بالمماطلة واستغلال اللحظات الانتخابية داخل واشنطن لتفادي أي التزام فعلي وفي عهد ترامب لا يمكن ان تحدث.
على الجانب العربي المشهد ليس مختلفا كثيرا الضغط العربي في معظمه رمزي وإعلامي لا يُترجم إلى فعل حقيقي على الأرض فالعواصم العربية الكبرى تحاول الموازنة بين صورتها أمام شعوبها وبين علاقاتها مع واشنطن و دوما تخضع للقرار الامريكي ولهذا تدرك إسرائيل أن هذا النوع من الضغط لا يغير سلوكها الميداني لذلك بعد استلام الأسرى الاسرائيليين سوف تستأنف اسرائيل سياستها باحتلال غزة و ضم الضفة الغربية .
في المحصلة ترى إسرائيل المشهد ببساطة شديدة:
الأسرى تساوي مصلحة استراتيجية عليا والضغوط الدولية قابلة للاحتواء و هي ماضية بخططها دون اي تغيير.
ولهذا إذا التزمت حماس بعرض اكيد يتضمن صفقة أسرى شاملة مقابل وقف مؤقت للحرب فسيكون الاحتمال الواقعي للتفاوض مرتفعاً جداً حتى تنتهي هذه المرحلة و بعدها تنقلب الأمور و يعود بن غفير و سموترش يتحكموا بالقرار و لهذا من المتوقع أن تسعى إسرائيل لجعل الصفقة ضيقة قدر الإمكان تقتصر على تبادل الأسرى فقط دون التزامات سياسية او وقف دائم لإطلاق النار أو إعادة إعمار أو انسحاب كامل.
وفي غياب أي ضمانات دولية أو عربية يظل البيان خطوة ضرورية لوقف شلال الدم الفلسطيني والميدان هو الاختبار الحقيقي ومع ذلك الاحتمال الأكبر أن إسرائيل ستستغل الصفقة لخداع الأطراف وإعادة ترتيب أوراقها لصالحها مستفيدة من أي اتفاق مؤقت أو جزئي لتحقيق مصالحها وما يزيد هذا الاحتمال تأكيداً هو دعم الرئيس الأمريكي ترامب كشريك أصيل و منحاز لاسرائيل في أي تجاوز بعد استلام الأسرى لذلك يصبح من الضروري السعي لوجود ضمانات دولية وعربية على الأقل لعدم عودة الحرب فوراً بينما تؤجل قضية الحل السياسي والسلام إلى ظروف أفضل بحيث يكون التركيز الأهم على حماية حياة البشر وإنقاذ المدنيين من المزيد من المعاناة.