االسلام أو المواجهة – رسالة الصين وحلفائها

الكاتب: بسام زكارنة
في قلب بكين وعلى امتداد ساحة تيانانمن شهد العالم في 3 سبتمبر 2025 عرضاً عسكرياً لم يقتصر على كونه احتفالاً بمرور ثمانين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية بل كان رسالة واضحة وعميقة للعالم بأسره رسالة و عنوان كبير رفعه الرئيس الصيني شي جين بينغ ليقول إن البشرية اليوم تقف أمام مفترق طرق حاسم: السلام أو المواجهة و الخيار بيد امريكا التي عليها ان تتوقف عن استعباد العالم و عن الظلم و نهب خيراته و الوقوف بوجه الدول الساعية لإنقاذ شعبها من الفقر و الجوع إلى رغد العيش و تسعى للعيش المشترك و المنفعة المتبادلة مثل جمهورية الصين .
الصين بقوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية لا تتحدث عن السلام من موقع ضعف بل من منطلق المباديء الراسخة لحزبها العظيم و نواته الرئيس تشي جين بينغ و بثقة تامة بقدرتها على حماية مصالحها وسيادتها ، القوة التي عُرضت أمام العالم كانت رسالة مزدوجة: رسالة للداخل لتعزيز ثقة الشعب بجيشه ورسالة للخارج و لأمريكا بالتحديد مفادها أن الصين لن تتخلى عن مصالحها أو تتهاون أمام أي محاولات لإضعافها.
هذا العرض العسكري بمشاركته آلاف الجنود ووحدات القوات البرية والبحرية والجوية إلى جانب أسلحة فرط صوتية ، صواريخ عابرة للقارات ،أسلحة ليزرية، وطائرات ومركبات مسيرة هجومية لم يكن استعراضاً جميلاً فقط ومذهلا ومرعباً للعدو بل ايضا فيه إظهار للقدرة الفعلية على الردع في مواجهة أي تهديد محتمل أما الابتكارات في مجال الفضاء السيبراني والدفاع الرقمي فكانت تذكيراً بأن القوة العسكرية لم تعد وحدها كافية وأن السيطرة على المعلومات والاستطلاع الرقمي أصبحت عنصراً محورياً في أي صراع مستقبلي.
في سياق دولي أكثر اتساعاً تجسد الرسالة الصينية موقفاً واضحاً: العالم لم يعد ميداناً للتفرد الأحادي و الصين وحلفاؤها – من روسيا وكوريا الشمالية إلى بعض دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا والبرازيل وغيرهم – يؤكدون على رفضهم لمحاولات الهيمنة الغربية الإمبريالية الظالمة و التي عبرت عن نفسها بالحروب الاقتصادية و محاولة حصار مشاريع التنمية و المنفعة المتبادلة بين الدول مثل طريق الحرير ودعم حركات الانفصال في مقاطعات صينية مثل تايوان وهونغ كونغ والإيغور والتبت كل هذه الجهود تهدف إلى إضعاف الصين وإشغالها بقضايا داخلية لكن العرض العسكري أظهر أن الصين على قدر المسؤولية وأن أي مواجهة ستكون باهظة الثمن.
الرسالة الأساسية التي ترغب الصين وحلفاؤها في إيصالها واضحة: نحن نسعى للسلام ولكن ليس على حساب استقلالنا أو مصالحنا و وحدة اراضينا و نحن نؤمن بالتعاون والمنفعة المتبادلة و العيش المشترك وندعو العالم لذلك بصدق و ممارسة فعلية و لكن من يختار المواجهة سيجد نفسه أمام قوة لا يستهان بها قوة يمكن أن تغير موازين القوى العالمية بشكل جذري.
في النهاية لا يخفي العرض العسكري ولا التصريحات المصاحبة له أن جمهورية الصين الشعبية لاعب رئيسي في عالم لم يعد تحت سيطرة قطب واحد وجسدت هذه الحقيقة بقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية وهو يوجه تحذيراً ضمنياً لأي طرف يفكر في التصعيد: الخيار واضح السلام هو الطريق الأمثل أما المواجهة فستكون مكلفة ودموية وربما كارثية للجميع ومن الضروري أن تعيد الولايات المتحدة وبقية القوى الغربية النظر في سياساتها.