غزة بحاجة الى هيرو هيتو فلسطيني

الكاتب: د. محمد عودة
لم تُلقَ أي قنبلة نووية على قطاع غزة، إلا أن ما أُلقي عليها في السنتين الأخيرتين من صواريخ وقنابل يفوق بستة أضعاف ما أُلقي على ناغازاكي وهيروشيما. دمر الحلفاء ما يقارب 40% من مباني المدن الرئيسية في اليابان، بالإضافة إلى تدمير أساطيلهم التجارية. علماً بأن اليابان في ذلك الوقت كانت تمتلك من الأغذية والمواد الطبية ما يكفي لسنوات. كما دمر الحلفاء جزءاً من البنية التحتية في المدن اليابانية، وبما أن مساحة اليابان تفوق مساحة غزة بمئة مرة، فإن البنية التحتية في الأرياف لم تتضرر بشكل كبير. أما في غزة، فالتدمير شامل لصغر حجمها مقارنة باليابان.
أما عدد الضحايا في اليابان فقد بلغ 2.6 مليون، أكثر من نصفهم من الجيش، بينما في غزة استشهد ما يقارب 120 ألف مدني، ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الضحايا من المقاومين. وبحسبة بسيطة وقياساً بعدد السكان، فإن غزة فقدت أكثر من ضعف ما فقدته اليابان. أما الجرحى فيفوق عددهم مئتي ألف.
إن حرص الإمبراطور هيروهيتو على بلده، بعد أن دمرها الحلفاء، دفعه إلى إعلان استسلام اليابان أولاً لحقن دماء اليابانيين، وثانياً لعلمه بالنوايا الحقيقية للحلفاء. منطلقاً من هذه الأسباب، وبالتحديد في ليلة قصف ناغازاكي، طلب هيروهيتو اجتماعاً لمجلس الستة الكبار، وطالبهم بقبول شروط الحلفاء، تلك الشروط التي وُضحت في إعلان بوتسدام في ليلة 14/15 أغسطس. في تلك الليلة، حدثت محاولة انقلاب عسكري عرفت بحادثة كيوجو، حيث قام عدد من الضباط بمحاولة رفض الاستسلام ووضع هيروهيتو في الإقامة الجبرية. وعند فشل الانقلاب، انتحر القائمون عليه.
بعد فشل الانقلاب، وبعد مفاوضات سرية استمرت عدة أيام، وجه هيروهيتو خطاباً إذاعياً عبر إذاعة "جوهرة" يوم 15 أغسطس 1945، بُث في جميع أنحاء الإمبراطورية، أعلن خلاله عن استسلام اليابان وقبولها بكل شروط الحلفاء.
في الثاني من سبتمبر من نفس العام، أي بعد أسبوعين، وقع وزير خارجية اليابان السيد مامورو شيجميتسو على استسلام اليابان من على ظهر السفينة الأمريكية يو إس إس ميسوري بحضور الجنرال ريتشارد ك. ساذرلاند. بنظر اليابانيين، وخاصة هيروهيتو، كان استسلام اليابان ليس هزيمة بالمعنى الحرفي، بل كان إنقاذاً للبلاد لتصبح واحدة من أقوى وأهم الدول الصناعية في العالم، والتي تمتلك خامس أكبر اقتصاد في العالم.
قطاع غزة يحتوي على الكثير من المقدرات والإمكانات (غاز، نفط، ثروة سمكية، شواطئ جميلة، بالإضافة إلى كونها الحلقة الآسيوية التي تربط القارتين آسيا وأفريقيا). تستطيع أن تحذو حذو اليابان إذا كان من بين قادة المقاومة من يملك الحرص على حقن دماء شعبنا ويملك شجاعة هيروهيتو. عندها ربما تصبح غزة نسخة من اليابان. أنا لست من دعاة الاستسلام، وإنما من دعاة المحافظة على أرواح شعبي، خاصة وأن نضال الشعوب لا يؤتي ثماره بالضربة القاضية، وإنما بالمراكمة.
إن الاقتراح العملي هو أن تضع المقاومة شرطاً واحداً وهو انسحاب إسرائيلي كامل وتسليم قطاع غزة للشرعية الفلسطينية مقابل التخلي عن السلاح وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين جميعاً. عندها تقف المقتلة ويفشل مشروع التهجير، وبإمكان المقاومة أن تحتل مكانها في النسيج الحزبي والسياسي للشعب الفلسطيني، مما سيساعد العالم على الضغط على إسرائيل لكي تلتزم بالشرعية الدولية التي تقضي بتجسيد حل الدولتين. عندها ستكون فلسطين عاملاً في الاستقرار ليس للمنطقة فحسب، بل للعالم أجمع.
إنقاذ من بقي من أهل غزة وحمايتهم من القتل والتهجير هو مهمة وطنية ولها الأولوية. إن بقي أهل غزة، فربما يسهمون يوماً في بناء وطن جميل يتسع لجميع أبنائه بكل تركيباتهم الدينية والعشائرية. أما إذا ذهب أهل غزة، فما الفائدة من وجودها؟ هل سنسهم، من غير وعي، في تحقيق "حل ترامب" بمخطط "رفييرا غزة" خالية من أهلها؟ أم أن نحن وأهل غزة سنشكل العقبة التي تتحطم عليها أطماع الاستعمار والصهيونية في شرق أوسط جديد، نحن لسنا جزءاً منه؟سؤال برسم الاجابة من اصحاب الشان.