الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:31 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الجامعات: آن أوان الاستيقاظ مجدداً

الكاتب: رامي مهداوي

حين امتلأت ساحات الجامعات الغربية بخيام الاعتصام، وارتفعت الأصوات الطلابية تطالب بوقف الدعم الأكاديمي لإسرائيل، بدا أن شيئًا ما قد تغير في خريطة الوعي العالمي. لم تكن هذه الاعتصامات مجرّد انفجار عاطفي عابر، بل كانت إعلانًا صريحًا عن ميلاد جيل جديد يرفض المساومة على الحق الفلسطيني، ويصرّ على مساءلة مؤسسات التعليم قبل السياسيين.
لقد استعاد الطالب في هارفارد وكولومبيا وأوكسفورد دوره التاريخي: محركًا أخلاقيًا ومثقفًا ملتزمًا، في مواجهة آلة القتل والتطبيع والصمت.

لكن السؤال الذي يواجهنا اليوم ليس فقط كيف نشكر هذا الحراك، بل كيف نحافظ عليه؟ كيف نمنع تحوّله إلى ذكرى جميلة تطويها الأيام؟ بل الأهم: كيف نعيد إحياء الجامعات – عالميًا وعربيًا – كقلاع فكرية تُنتج وعيًا مقاومًا، لا شهادات بلا موقف؟

ما جرى في الجامعات لم يكن بداية، بل نتيجة لتراكم طويل من الأسئلة المُسكَت عنها. ولهذا، فإن بقاء هذه الانتفاضة الطلابية رهين بتحولها من فعل احتجاجي إلى فعل مؤسسي، من رد فعل إلى مشروع دائم.

ينبغي أن تنشأ اتحادات طلابية عابرة للقارات، تتبنى فلسطين كقضية تحرر إنساني لا تخصّ شعبًا واحدًا فقط، بل تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية. ويجب على الجامعات – بوصفها مؤسسات إنتاج معرفة – أن تُنشئ مراكز أبحاث تُعنى بتوثيق الجرائم الإسرائيلية وتحليل منظومة الاستعمار الاستيطاني، وتُدرّس ذلك ضمن مناهجها لا في الهامش.

كذلك، يجب أن يتوسع الضغط الطلابي ليشمل وقف التعاون البحثي مع المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في صناعة الموت، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا العسكرية.

في قلب هذا كله تقف معركة السردية: من يروي؟ ومن يملك الكلمة؟ ومن يحدد الحقيقة؟ لقد برهن الحراك الطلابي أن الرواية الصهيونية لم تعد تحتكر الوعي الغربي، وأن العالم بدأ يستمع – أخيرًا – إلى الصوت الفلسطيني بلغته الصادقة.

لكن هذا الانفتاح يجب أن يُستثمر في إنتاج سردية بديلة، تستند إلى البحث، والأخلاق، واللغة الأكاديمية المحكمة. لا بد أن تُخرج الجامعات جيلاً من الكتّاب والمفكرين والمحتوى البصري الذي يخاطب العالم بلغاته، ويضع فلسطين في موقعها الصحيح كقضية تحرر إنساني شامل.
هنا يكمن الجرح. بينما يُعتقل طلاب غربيون في حرم جامعاتهم لأنهم رفعوا لافتة "أوقفوا الحرب على غزة"، يلوذ معظم طلابنا وأكاديمينا في الجامعات العربية بالصمت. الخوف، الرقابة، الجمود، والبيروقراطية، كلها عوامل كبّلت الجامعة العربية وأفقدتها دورها التاريخي.

لكن الفرصة ما زالت قائمة. آن الأوان لأن تستعيد جامعاتنا هويتها كمنابر حرّة تفكّر وتناقش وتنتج معرفة تُناصر الحق، لا أن تظل صدى لخطابات فارغة أو مكرّسة للهروب من الأسئلة الجوهرية. آن الأوان لإدراج فلسطين في مناهجنا، في بحوثنا، في أنشطتنا الثقافية، وفي رسائلنا العلمية.

إن إحياء الجامعات لا يعني فقط تضامنًا مع غزة أو وقف التطبيع الأكاديمي. بل هو معركة على شكل العالم الذي نريده: عالم لا يصمت أمام القتل الجماعي، ولا يساوي بين الضحية والجلاد، ولا يُعطي نوبل للعلم ويصمت عن المذابح. لقد دقّت ساعة العودة إلى الجامعة – لا كمكان للدراسة فحسب، بل كمختبر حرية، وساحة مقاومة، ومنارة المستقبل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...