صوت الشعب بين الصمود والتضامن

الكاتب: رزق عطاونة
في خضم الجريمة المستمرة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، والتي بلغت حدود الإبادة الجماعية، تكثر التحليلات والانطباعات حول الحالة النفسية والمعنوية لأبناء شعبنا لا سيما في ظل ما يروَّج له من شعور بالإحباط لدى الغزيين تجاه مستوى التضامن من الضفة الغربية غير أن قراءة متأنية للمشهد الشعبي الفلسطيني تدحض هذه الرواية، وتؤكد أن الفلسطينيين رغم عمق الجراح يقفون على قاعدة راسخة من وحدة المصير والمواجهة المشتركة.
من غزة إلى الضفة، ومن القدس إلى الداخل والشتات، تتشكل لوحة وطنية موحّدة أساسها التمسك بالأرض والانتماء والإرادة الشعبية فالصمود البطولي لأهالي غزة الذي يخوضون معركة البقاء والكرامة ضد آلة العدوان الإسرائيلية يجد صداه في شوارع الضفة الغربية حيث تتجدّد الهبّات الشعبية، وتتعالى أصوات الدعم وتتعدّد أشكال المقاومة المدنية والشعبية.
قد تكون المؤسسة السياسية الفلسطينية – بواقعها الراهن – عاجزة عن تقديم صورة وحدة قيادية موحّدة لكن المشهد الشعبي يقدّم نموذجاً حيّاً لرفض الانقسام والاحتشاد خلف فكرة واحدة هي فلسطين كلّها تتعرّض للعدوان، وكلّها تقاوم.
ان الحديث عن إحباط فلسطيني في غزة من الضفة يفتقر إلى الدقة والموضوعية فالعلاقة بين الضفتين لم تنقطع رغم المسافات والحواجز والانقسام السياسي ما يزال الشارع الفلسطيني يدرك تماماً أن هذا العدوان يستهدف الوعي الجمعي والذاكرة الوطنية والهوية وليس فقط الحجر والبشر في غزة لذلك، فإن ما نراه من مظاهر تضامن وإن كانت أقل من مستوى التحدي المطلوب تعبّر عن وعي شعبي متقد لا عن انفصال وجداني أو تقاعس.
إنّ ما يُطلب اليوم ليس الإحساس بالإحباط بل العمل على مراكمة الفعل الشعبي والسياسي لترجمة الصمود إلى برنامج وطني موحّد فصوت الشعب في غزة هو نفسه في الضفة، وفي المخيمات، والشتات، وكلها تنشد الانعتاق من الاحتلال ومن العجز السياسي وأمام هذا الواقع تصبح وحدة الإرادة الشعبية هي الأساس وتبرز الحاجة الى دور المثقفين والمؤسسات المجتمعية والنقابات كقادة رأي ومبادرة وليس كمجرد ناقلين للوجع إن الاحتشاد حول مشروع سياسي فلسطيني موحد وتشكيل قيادات ميدانية تمثّل الكل الفلسطيني ليس مجرد مطلب نخبوي بل ضرورة وجودية.
وهنا تأتي أهمية تشكيل قيادة وطنية موحدة عابرة للفصائل تستند إلى الإرادة الجماهيرية وتعبّر عن وحدة الميدان وتكون مهمتها الأساسية مواجهة العدوان وتوفير مظلة جامعة لتفعيل كل الأدوات الممكنة للصمود ومقاومة مشاريع الاحتلال التصفوية بما ينسجم مع الامكانيات الوطنية والممكنات السياسية للحفاظ على الكينونة الفلسطينية والانتصار على مخططات التهجير التي يدعو لها قادة الاحتلال وحلفائهم. ان الواقع الميداني يثبت يومياً أن الضفة الغربية ليست متقاعسة، رغم الظروف الأمنية والسياسية القاسية في القرى والبلدات والمخيمات تشهد يومياً مواجهات مع الاحتلال والفعاليات الشعبية آخذة في التصاعد والاحتجاجات والوقفات المطالبة بوقف الابادة والوحدة الوطنية تُعيد الروح للشارع صحيح أنّ هذه الحراكات بحاجة إلى مزيد من التنظيم والاحتضان لكنه قائم ويعبّر عن حقيقة ثابتة ان لا انفصال وجداني بين أبناء الوطن الواحد.
ختاماً لا يُمكن قياس وحدة الشعور والمصير الوطني الفلسطيني بمعايير التضامن اللحظي أو العاطفي فقط بل من خلال تراكم الفعل الشعبي والثقة المستمرة بأنّ ما يجمع الفلسطينيين أكثر بكثير ممّا يُفرّقهم في وجه الإبادة لا يبقى سوى صوت الشعب وكلما كان موحداً، كلما أصبح أكثر قدرة على كسر العدوان